“أن نريد هذا الشيء فقط أو لا شيء غيره فهذا ليس تصرّفًا مسيحيًّا وإنما هو نوع من الهرطقة” هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في عظته مترئسًا القداس الإلهي في كابلة بيت القديسة مرتا بالفاتيكان والتي تمحورت حول “الواقعيّة السليمة” التي يعلّمها الرب لتلاميذه؛ وسلّط الأب الأقدس الضوء على الشرّ الذي يسببه في شعب الله الكهنة الذين يتصرّفون بعكس ما يقولون ويعلِّمون؛ وحثّ المؤمنين على التحرّر من المثالية القاسية والمتصلّبة التي لا تسمح لنا أن نتصالح مع بعضنا البعض.
استهل الأب الأقدس عظته انطلاقًا من الإنجيل الذي تقدّمه لنا الليتورجيّة اليوم من القديس متى والذي نقرأ فيه وصيّة يسوع لتلاميذه: “إِن لَم يَزِد بِرُّكُم عَلى بِرِّ الكَتَبَةِ وَالفِرّيسِيّين، لا تَدخُلوا مَلَكوتَ ٱلسَّمَوات”، ليعود ويتوقّف في تأمّله الصباحي عند أهميّة الواقعيّة المسيحيّة، وقال لقد كان الشعب مُشتّتًا لأن الذين كانوا يعلمونه الشريعة لم يكونوا صادقين في شهادة الحياة التي كانوا يقدمونها، أما يسوع فكان يطلب منهم أن يزيد برَّهم على برّ هؤلاء الكتبة والفريسيين، وبالتالي وانطلاقًا من الوصيّة العظمى، وصيّة محبة الله والقريب، شدّد لهم يسوع قائلاً: “مَن غَضِبَ عَلى أَخيهِ استَوجَبَ حُكمَ ٱلقَضاء، وَمَن قالَ لأخيهِ: “يا أَحمَق”، استَوجَبَ حُكمَ ٱلمَجلِس، وَمَن قالَ لَهُ: “يا جاهِل”، ٱستَوجَبَ نارَ جَهَنَّم”.
تابع الحبر الأعظم يقول من الجيد أن نسمع هذه الأمور، لاسيما في هذا الزمن الذي اعتدنا فيه جميعًا على نعت الآخرين وتصنيفهم من خلال مفردات مبدعة وخلاقة. إنها أمر خاطئ !! إنها خطيئة، إنه قتل للآخر، إنها ضربة قاسية لروح الأخ وكرامته. بعدها أكّد البابا أن يسوع قد طلب من الشعب التائه والمشتّت أن يذهب أبعد من تعليم الكتبة والفريسيين ويسير قدمًا، ولكنه لم يتوانَ عن تسليط الضوء على الشرّ التي تسببه بين الناس الشهادة المسيحية الخاطئة.
أضاف البابا فرنسيس يقول كم من مرّة نسمع في الكنيسة هذه الأمور! كم من مرّة! إذ يقول لنا ذلك الكاهن أو تلك المرأة من الحركة الكاثوليكية أو ذاك الأسقف: “عليكم أن تفعلوا كذا وكذا” فيما يتصرفون بالطريقة المعاكسة. إنه لعار يجرح الشعب ولا يسمح لشعب الله بأن ينمو ويسير قدمًا. وهذا الشعب أيضًا كان قد رأى قساوة الكتبة والفريسيين وكيف كانوا يضطهدون الأنبياء ويقتلونهم: لم يكن لديهم مكان للأنبياء؛ ويسوع نفسه قد قال للفريسيين: “هَا أَنَا أُرسِلُ إِلَيْكُمْ أَنبِيَاءَ وَحُكَمَاءَ وَكَتَبَةً، فَمِنهُم تَقْتُلُونَ وَتَصلِبُونَ، وَمِنهُم تَجْلِدُونَ فِي مَجَامِعِكُم، وَتَطرُدُونَ مِن مَدِينَةٍ إِلَى مَدِينَةٍ”، لم يقبلوا هؤلاء الأنبياء لأنّهم كانوا يحملون الحداثة والتجديد.
تابع الأب الأقدس يقول إن القداسة والسخاء اللذين يطلبهما يسوع منا هما الخروج من ذواتنا والذهاب دائمًا أبعد وأعلى. هذا هو التحرّر من قساوة الشريعة وتصلّبها ومن المثاليات التي لا تفيدنا. إن يسوع يعرفنا جيّدًا ويعرف طبيعتنا، ولذلك يدعونا لنكون في اتفاق مع بعضنا البعض. فيسوع يعلمنا “الواقعيّة السليمة”، هو يعرف أننا لن نتمكن غالبًا من تحقيق الكمال ولكن يطلب منا أقلّه أن نفعل ما بوسعنا القيام به أي أن نتّفق مع بعضنا البعض.
أضاف الحبر الأعظم يقول هذه هي الواقعية السليمة للكنيسة الكاثوليكية: فالكنيسة لا تعلمنا أبدًا إما هذا الأمر أو ذاك، هذا ليس تعليمًا مسيحيًّا، لأنَّ الكنيسة تطلب منا أن نبحث عن الكمال: تصالح مع أخاك وأحبّه ولا تهينه، وإن وجد بينكما مشكلة ما فاتفقا لكي لا تندلع الحرب بينكما. هذه هي الواقعية السليمة؛ ويسوع يعرف دائمًا كيف يسير معنا، يعطينا المثال ويرافقنا في مسيرتنا نحو تحقيقه ويحرّرنا من سجن قساوة الشريعة وتصلّبها ويقول لنا: “يكفي أن تفعل ما باستطاعتك” لأنه يفهمنا جيّدًا! هذا هو ربنا وهذا ما يعلّمنا إياه!
وختم البابا فرنسيس عظته بالقول يطلب منا الرب أيضًا ألا نكون مرائين وألا نذهب لنسبّح الله باللسان عينه الذي نهين به أخانا. “إفعلوا ما باستطاعتكم” هذه هي دعوة يسوع لنا، ويتابع “تفادوا الحرب بين بعضكم البعض واتّفقوا!” وأضاف الأب الأقدس يقول سأسمح لنفسي بأن أقول لكم هذه الكلمة التي قد تبدو لكم غريبة: إنها قداسة المفاوضة الصغيرة: “لا يمكنني أن أفعل كل شيء ولكنني أرغب بفعل كل شيء، وبالتالي أتفق أقلّه معك فلا نهين بعضنا البعض ولا نحارب بعضنا البعض بل نعيش جميعنا بسلام”. إن يسوع لعظيم جدًّا! هو يحررنا من بؤسنا وضعفنا ومن تلك المثاليّة التي ليست مسيحيّة. لنطلب من الرب أن يعلّمنا أن نخرج من كل قساوة وتصلُّب لنتمكن من أن نعبده ونسبّحه، ولنطلب منه أن يصالحنا مع بعضنا البعض ويعلّمنا كيف نتّفق مع بعضنا البعض من خلال فعلنا كل ما بوسعنا.
إذاعة الفاتيكان
الوسوم :البابا فرنسيس: لنطلب من الرب أن يعلّمنا أن نخرج من كل قساوة وتصلُّب