ترأس قداسة البابا فرنسيس صباح الأحد القداس الإلهي في ساحة القديس بطرس بمناسبة الاحتفال بيوبيل الشمامسة وللمناسبة ألقى الأب الأقدس عظة قال فيها “عبد للمسيح” لقد سمعنا هذه العبارة التي من خلالها يصف بولس الرسول ذاته في رسالته إلى أهل غلاطية، بعد أن قدّم نفسه في أول الرسالة كـ “رسول” بمشيئة الرب يسوع. إن العبارتين رسول وعبد تسيران معًا ولا يمكن فصلهما لأن من يعلن يسوع مدعو ليخدم ومن يخدم يعلن يسوع.
تابع الأب الأقدس يقول لقد أظهر لنا الرب هذا الأمر أولاً: هو كلمة الآب، هو الذي حمل لنا البشرى السارة. هو البشرى السارة صار خادمًا لنا، “لم يَأتِ لِيُخدَم، بل لِيَخدُمَ” (مرقس 10، 45) والذين يعلنوه قد دعوا هكذا ليكونوا على مثاله. من أين نبدأ لنصبح “خدّامًا صالحين وأمناء” (راجع متى 25، 21)؟ كأول خطوة نحن مدعوون لعيش الجهوزية. فالخادم يتعلّم يوميًّا أن يتجرّد عن تنظيم كل شيء لنفسه وبحسب رغبته؛ ويتمرّن يوميًّا على بذل الحياة مفكّرًا أن كل يوم ليس له وإنما ليعيشه كتسليم ذات. فالذي يخدم في الواقع، ليس حارسًا غيورًا لوقته وإنما يتخلّى عن كونه سيّد يومه، يعرف أنه لا يملك الوقت الذي يعيشه لأنّه عطيّة ينالها من الله ليقدّمها بدوره. فالذي يخدم ليس عبدًا لبرنامج يحدّده وإنما هو ذو قلب طائع وجاهز ومستعدّ لما ليس مبرمجًا. إن الخادم يعرف كيف يفتح أبواب وقته وفسحاته لمن هو قريب منه ولمن يقرع على بابه خارج جدول المواعيد حتى وإن اضطُرَّه الأمر بأن يتوقف عن فعل شيء يحبّه أو حتى عن راحته التي يستحقّها.
أضاف الحبر الأعظم يقول يحدثنا إنجيل اليوم أيضًا عن الخدمة ويُظهر لنا خادمين يمكننا أن نأخذ منهما تعاليم قيّمة: خادم قائد المائة الذي يشفيه يسوع، وقائد المائة الذي يخدم الإمبراطور. إن الكلمات التي أرسل يقولها ليسوع لكي لا يأتي إلى بيته هي مدهشة وغالبًا هي عكس ما نطلبه في صلواتنا: “يا رَبّ، لا تُزعِج نَفسَكَ، فَإِنّي لَستُ أَهلاً لأن تَدخُلَ تَحتَ سَقفي. وَلِذَلِك، لَم أَرَني أَهلاً لأن أَجيءَ إِلَيك”؛ “فَأَنا مَرؤوسٌ وَلي جُندٌ بِإِمرَتي”. أمام هذه الكلمات وقف يسوع متعجّبًا، لقد أثّر فيه تواضع قائد المائة ووداعته. لقد كان بإمكانه، إزاء هذه المشكلة التي كانت تعتريه، أن يقلق ويدّعي بأن يتمّ تحقيق مشيئته مستعملاً سلطته. ولكنه تواضع ولم يرفع صوته ولا يريد أن يزعج أحدًا وبالتالي تصرّف – بدون أن يعرف – بحسب أسلوب الله “الوديع والمتواضع القلب”. هذه هي أيضًا الميزات الوديعة والمتواضعة للخدمة المسيحيّة التي هي التشبّه بالله من خلال خدمة الآخرين: فنقبلهم بمحبّة صبورة ونفهمهم بدون كلل، ونجعلهم يشعرون بأنهم مقبولين في البيت والجماعة الكنسيّة حيث الأكبر ليس الذي يأمر وإنما الذي يخدم. وهكذا أيها الشمامسة الأعزاء ستنمو، في الوداعة، دعوتكم كخدام المحبّة.
تابع الأب الأقدس يقول بعد بولس الرسول وقائد المائة نجد في قراءات اليوم خادمًا ثالثًا، ذاك الذي يشفيه يسوع. في الرواية نقرأ أنه كان مَريضًا وقَد أَشرَفَ عَلى ٱلمَوت، وَكانَ عَزيزًا على سيّده ولكننا لا نعرف ما هو مرضه. بطريقة أو بأخرى يمكننا جميعًا أن نجد أنفسنا في هذا العبد. كلٌّ منا هو عزيز على الله وهو قد أحبّه واختاره ودعاه ليخدم ولكنّه يحتاج أيضًا لأن يُشفى من الداخل. سيساعدنا أن نصلّي بثقة يوميًّا طالبين من يسوع أن يشفينا لنتشبّه به فلا يدعونا عبيدًا بعد الآن بل أحبّاء. أيها الشمامسة الأعزاء يمكنكم أن تطلبوا يوميًّا هذه النعمة في الصلاة، صلاة تقدمون فيها تعبكم ورجاءكم: صلاة حقيقيّة تحمل الحياة إلى الرب والرب إلى الحياة.
وختم البابا فرنسيس عظته بالقول وهكذا إذ تكونون جاهزين ومستعدّين في الحياة، ودعاء القلوب وفي حوار مستمر مع يسوع فلا تخافوا من أن تكونوا عبيدًا للمسيح وأن تلتقوا وتلمسوا بحنان جسد الرب في فقراء اليوم.
إذاعة الفاتيكان
الوسوم :البابا فرنسيس: من يعلن يسوع مدعو ليخدم ومن يخدم يعلن يسوع