“لا ينبغي لأعمال الرحمة أن تكون مجرد عمل إحسان لنريح ضميرنا وإنما مشاركة في آلام الآخرين” هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في عظته مترئسًا القداس الإلهي صباح اليوم الاثنين في كابلة بيت القديسة مرتا بالفاتيكان.
استهل الأب الأقدس عظته انطلاقًا من القراءة الأولى التي تقدّمها لنا الليتورجية اليوم من سفر طوبيا، وقال خلال جلاء اليهود إلى بابل: كان هناك رجل بار اسمه طوبيا يساعد مواطنيه الفقراء، وإذ يخاطر بحياته، يدفن بالتحفّظ اليهود الذين كانوا يُقتلون. لقد كان طوبيا يشعر بالحزن إزاء آلام الآخرين. وفي هذا السياق أشار البابا إلى أعمال الرحمة الروحيّة والجسديّة، وقال إنَّ القيام بها لا يعني فقط أن نشارك الآخر بما نملكه وإنما أن نشعر معه أيضًا: أي أن نتألّم مع المتألم. عمل الرحمة ليس مجرّد أمر نقوم به لنريح ضميرنا، لا! بل هو أيضًا أن نشعر بألم الآخرين. لأن المشاركة والشعور مع الآخر هما أمران يسيران معًا؛ والرحوم هو الذي يعرف أن يشارك الآخرين ويشعر بمشاكلهم. وهنا يأتي السؤال: “هل أعرف كيف أشارك الآخرين؟ هل أنا سخي؟ هل أتألّم عندما أرى شخصًا يتألّم أو يعيش صعوبة معيّنة؟ هل أعرف كيف أضع نفسي مكان الآخرين في أوضاع الألم؟”.
تابع البابا فرنسيس يقول لم يكن مسموحًا لليهود أن يدفنوا أمواتهم لا بل كانوا أنفسهم معرضين للموت، وبالتالي كان طوبيا يخاطر، لذلك فأعمال الرحمة ليست فقط مشاركة وشعور مع الآخرين وإنما أيضًا مخاطرة: كم من مرّة نخاطر في حياتنا. لنفكّر بروما هنا خلال الحرب كم من الأشخاص خاطروا، بدءًا من البابا بيّوس الثاني عشر، ليخبّئوا اليهود لكي لا يقتلوا ولا يتمّ ترحيلهم. لقد خاطروا بحياتهم للقيام بعمل الرحمة هذا وينقذوا حياة هؤلاء الناس!
في هذا السياق سلّط الأب الأقدس الضوء على جانبين آخرين، وقال قد يتعرّض الشخص الذي يقوم بأعمال الرحمة للسخرية والتهزيء – تمامًا كما حصل مع طوبيا – لأنّه يُعتبر شخص يقوم بأمور مجنونة ويتعب نفسه بدلاً من أن يبقى مرتاحًا. إن أعمال الرحمة تتعب وتُكدِّر. قد يقول لي أحدكم: “لي صديق مريض، ينبغي علي أن أزوره ولكنني لا أرغب بذلك لأنني أفضّل أن أرتاح وأشاهد التلفاز بهدوء…”. أعمال الرحمة تُكدِّر على الدوام والربُّ قد تكدَّر الآلام لأجلنا ومات على الصليب، ليمنحنا الرحمة.
وختم البابا فرنسيس عظته بالقول إن الشخص القادر على القيام بعمل رحمة هو شخص يعرف أنّه قد رُحِمَ أولاً أي أنّ الرب قد رحمه، وإن قمنا بأعمال رحمة فذلك لأن الرب قد رحمنا. لنفكِّر بخطايانا وأخطائنا وكيف سامحنا الرب عنها وغفرها لنا: غفر لنا كلَّ شيء ورحمنا وهذا ما نفعله نحن أيضًا مع إخوتنا: لأنَّ أعمال الرحمة تنتشلنا من أنانيتنا وتجعلنا نتشبّه أكثر بيسوع!
اذاعة الفاتيكان