ترأس قداسة البابا فرنسيس كونسيستوارًا عاديًّا عامًّا أعلن فيه سبعة عشر كاردينالاً جديدًا وللمناسبة ألقى الأب الأقدس كلمة قال فيها: بعدما اختار الإثني عشر نزل يسوع مع تلاميذه إلى مكان منبسط حيث كان ينتظره حشد كبير وقد جاؤوا لِيَسمَعوهُ ويُبرَأُوا مِن أمراضِهِم. وبالتالي فالاختيار يقودهم إلى قلب الجمع ويضعهم وسط ما يقلقهم أي على مستوى حياتهم، بهذا الشكل يُظهر لهم الرب ولنا أننا نبلغ القمَّة الحقيقيّة في المكان المنبسط، ولذلك يذكّرنا المكان المنبسط بأنّ القمّة تكمن في نظرة وفي دعوة بشكل خاص: “كونوا رُحَماءَ كما أَنَّ أَباكُم رَحيم”.
تابع الأب الأقدس يقول دعوة تترافق مع أربعة أفعال أَمرٍ يوجّهها الرب لهم لكي يطبع دعوتهم بالحياة اليوميّة والملموسة. يمكننا أن نقول إنها أربع مراحل من التنشئة على الرحمة: أحبّوا، أحسنوا، باركوا وصلّوا. إنها أربع أعمال نقوم بها بسهولة مع أصدقائنا والأشخاص القريبين منا ولكن تظهر المشكلة عندما يقدّم لنا يسوع الأشخاص الذين تتوجّه إليهم هذه الأعمال: “أَحِبُّوا أَعداءكم، وأَحسِنوا إِلى مُبغِضيكُم، وبارِكوا لاعِنيكُم، وصلُّوا مِن أَجلِ المُفتَرينَ الكَذِبَ علَيكُم”، إنها أعمال لا يمكننا القيام بها بشكل عفوي لمن يقف أمامنا كعدو وخصم، إذ أن الموقف الأول والغريزي أمامهم هو موقف الاستبعاد لكنَّ يسوع يطلب منا إزاء العدو والذين يبغضوننا ويلعنونا ويفترون علينا: أحبّوهم وأحسنوا إليهم، باركوهم وصلّوا من أجلهم.
أضاف الحبر الأعظم يقول نجد أمامنا إحدى ميزات رسالة يسوع حيث تختبئ قوّته وسرّه؛ من هناك ينبع فرحنا وقوّة رسالتنا وإعلان البشرى السارة. العدوُّ هو شخص ينبغي عليّ أن أحبّه لأنه لا وجود للأعداء في قلب الله إذ لديه فقط أبناء، أما نحن فنرفع الجدران ونبني الحواجز ونصنّف الأشخاص. لكنّ أبانا لا ينتظر حتى نصبح صالحين كي يحب العالم ولا ينتظر حتى نصبح عادلين وكاملين ليحبّنا؛ وإنما يحبّنا لأنه اختار أن يحبّنا ويحبّنا لأنه جعلنا أبناء له، لا بل أحبّنا فيما كنا أعداؤه (راجع روما 5، 10).
تابع البابا فرنسيس يقول تتميّز حقبتنا بمشاكل كبيرة على مستوى عالمي ونرى، على سبيل المثال، كيف يأخذ الشخص الذي يقيم بقربنا فورًا مكانة الغريب أو المهاجر أو اللاجئ ويصبح تهديدًا بالنسبة لنا لدرجة أنّه يصبح عدوًا لنا: عدوٌّ لأنه يأتي من أرض بعيدة أو لأن لديه عادات أخرى؛ عدوٌّ بسبب لون بشرته ولغته وحالته الاجتماعيّة؛ عدوٌّ لأنّه يفكّر بطريقة مختلف ولأنّه من دين آخر. إن فيروس التباعد والعداوة يطبع أساليبنا في التفكير والشعور والتصرُّف ولذلك ينبغي علينا أن نتنبّه كي لا يسيطر هذا الموقف على قلوبنا لأنّه يتعارض مع غنى الكنيسة وشموليّتها اللذين يمكننا أن نلمسهما في مجلس الكرادلة هذا؛ فنحن آتون من أراض بعيدة ولدينا عادات وألوان بشرة ولغات وحالات اجتماعيّة مختلفة؛ نفكّر بأسلوب مختلف ونحتفل بالإيمان أيضًا من خلال طقوس مختلفة، ولاشيء من هذا كلّه يجعلنا أعداءً وإنما يشكل الغنى الأكبر الذي نملكه.
وختم البابا فرنسيس عظته بالقول إن يسوع لا يزال يدعونا ويرسلنا إلى الـ “مكان المنبسط” لشعوبنا وككنيسة لا نزال نُرسَل كي نفتح أعيننا لنرى جراح العديد من إخوتنا وأخواتنا اللذين يُحرمون من كرامتهم. أيها الأخ الكاردينال الجديد العزيز، إن المسيرة نحو السماء تبدأ في المكان المنبسط، في الحياة اليوميّة التي تُكسر وتُقاسم في حياة تُبذل وتُعطى، في بذل الذات اليوميّ والصامت. أيها الأخ العزيز اليوم يُطلب منك أن تحفظ في قلبِك وقلب الكنيسة هذا الدعوة لتكون رحومًا كالآب عالمًا أنّه إن كان هناك ما يجب أن يشوّشنا يقلق ضمائرنا فهو وجود العديد من إخوتنا الذين يعيشون بدون قوّة يسوع المسيح ونوره وعزاء صداقته، وبدون جماعة إيمان تقبلهم وبدون أفق أو معنى للحياة.
إذاعة الفاتيكان
الوسوم :البابا فرنسيس: اختلافاتنا لا تجعلنا أعداءً بل تُشكِّل غنانا الأكبر