أجرى قداسة البابا فرنسيس مقابلته العامة مع المؤمنين في ساحة القديس بطرس واستهلَّ تعليمه الأسبوعي بالقول لقد بدأنا مسيرة تعاليم ستتبع “رحلة” الإنجيل التي يخبرنا عنها كتاب أعمال الرسل. كلُّ شيء يبدأ من قيامة المسيح. هذه، في الواقع ليست حدثًا بين أحداث أخرى، بل مصدر حياة جديدة. لقد كان الرسل يعرفون ذلك – وإذ أطاعوا وصيّة يسوع – بقوا متّحدين، متّفقين ومثابرين على الصلاة. يجتمعون حول مريم، الأم، ويستعدّون لنوال قوّة الله ولكن ليس بأسلوب خامل وإنما معزّزين الشركة بينهم.
تابع الأب الأقدس يقول تلك الجماعة الأولى كانت مكوّنة من مائة وعشرين أخ وأخت، عدد يحمل في داخله عدد الاثني عشر الرمزي لإسرائيل، لأنه يمثّل القبائل الاثني عشر وهو رمزي للكنيسة أيضًا بسبب الرسل الاثني عشر الذين اختارهم يسوع. ولكن الآن وبعد أحداث الآلام الأليمة، لم يعد تلاميذ الرب اثني عشر وإنما أحد عشر. أحدهم يهوذا لم يعد بينهم: لقد قتل نفسه يسحقه الندم.
أضاف الحبر الأعظم يقول كان قد بدأ ينفصل عن الشركة مع الرب ومع الآخرين ويعمل لوحده وينعزل ويتعلّق بالمال وصولاً إلى استغلال الفقراء وفقدان أفق المجانيّة وبذل الذات وصولاً إلى السماح لفيروس الكبرياء بالسيطرة على عقله وقلبه محوِّلاً إياه من “صديق” (متى ٢٦، ٥٠) إلى عدو وإلى “دَليل لِلَّذينَ قَبَضوا على يسوع” (أعمال ١، ١٧). كان يهوذا قد نال النعمة الكبيرة ليكون فردًا من مجموعة المقرّبين من يسوع وليشارك في خدمته، ولكن وفي مرحلة ما اعتبر أنّه سيخلّص حياته بنفسه ولكنّه فقدها. لم يعد ينتمي إلى قلب يسوع ووضع نفسه خارج الشركة معه ومع تلاميذه. لم يعد تلميذًا ووضع نفسه فوق المعلّم وباعه؛ وبثمن جريمته اشترى حقلاً ولكنه لم يثمر بل أُخصب بدمه.
تابع البابا فرنسيس يقول إن كان يهوذا قد فضّل الموت على الحياة وتبع مثال الأشرار الذين طريقهم كالظلام وتهلك (راجع أمثال ٤، ١۹؛ مز ١، ٦)، فالأحد عشر فقد اختاروا الحياة والبركة وأصبحوا مسؤولين لجعلها تجري في التاريخ، من جيل إلى جيل، من شعب إسرائيل إلى الكنيسة.
أضاف الحبر الأعظم يقول يجعلنا الإنجيلي لوقا نرى أنّه إزاء ترك أحد الاثني عشر، الذي سبب جرحًا في الجماعة؛ من الضروري أن يتولَّى منصبه آخر. ومن يمكنه أن يأخذه؟ يشير بطرس إلى المستلزم: على العضو الجديد أن يكون تلميذًا ليسوع منذ البداية، أي منذ المعموديّة في الأردن، وصولاً إلى النهاية، أي إلى الصعود إلى السماء. فتُدشَّن هكذا ممارسة التمييز الجماعي الذي يقوم على رؤية الواقع من خلال عيني الله وفي إطار الوحدة والشركة.
تابع الحبر الأعظم يقول اثنان هما المرشّحان: يوسُفُ الَّذي يُدعى بَرْسابا، ومَتِّيَّا. وعندها صلّت الجماعة قائلة: “أَنتَ أَيُّها الرَّبُّ العَليمُ بقُلوبِ النَّاسِ أَجمَعين، بَيِّنْ مَنِ اختَرتَ مِن هذَينِ الاثنَين، لِيَقومَ بِخِدمَةِ الرِّسالَة مَقامَ يَهوذا الَّذي تَوَلَّى عَنها لِيَذهَبَ إِلى مَوضِعِه” (أعمال ١، ٢٤- ٢٥). ومن خلال القرعة أشار الرب إلى متيّا فضُمَّ إِلى الرُّسُل الأَحَدَ عَشَر. تكوّن هكذا مجدّدًا جسد الاثني عشر، كعلامة أنَّ الشركة تغلب الانقسامات والعزلة والذهنيّة التي تتحكّم بالفسحة الخاصة، كعلامة أن الشركة هي الشهادة الأولى التي يقدّمها الرسل. كما قال يسوع: “إذا أَحَبَّ بَعضُكُم بَعضاً عَرَف النَّاسُ جَميعاً أَنَّكُم تَلاميذي” (يوحنا ١٣، ٣٥).
أضاف الأب الاقدس يقول يُظهر الاثنا عشر في كتاب أعمال الرسل أسلوب الرب. إنهم شهود موثقون لعمل خلاص المسيح ولا يُظهرون للعالم كمالهم المزعوم وإنما ومن خلال نعمة الوحدة يُظهرون شخصًا آخرًا يعيش بأسلوب جديد وسط شعبه: الرب يسوع. لقد اختار الرسل أن يعيشوا تحت ملك القائم من الموت في الوحدة بين الإخوة التي أصبحت الجو الوحيد الممكن لبذل الذات الحقيقي.
وختم البابا فرنسيس تعليمه الأسبوعي بالقول علينا نحن أيضًا أن نكتشف مجدّدًا جمال الشهادة للقائم من الموت ونخرج من مواقف المرجعية الذاتيّة التي نعيشها ونتخلّى عن إمساك عطايا الله عن الآخرين وألا نستسلم للعجز والقصور. إن إعادة تكوين مجمع الرسل يُظهر كيف أنَّ في صلب الجماعة المسيحية هناك الوحدة والحريّة اللتان تسمحان لنا ألا نخاف من الاختلاف وألا نتعلّق بالأمور والعطايا وأن نصبح شهودًا منيرين لله الحي والعامل في التاريخ.
أخبار الفاتيكان