“الله هو أب وينظر إليك كأب: وكأفضل الآباء، هو لا يرى النتائج التي لم تحققها بعد، وإنما الثمار التي ما زال بإمكانك أن تحملها؛ فهو لا يأخذ نواقصك بعين الاعتبار، ولكنه يشجع إمكانياتك؛ هو لا يتوقف عند ماضيك، بل يراهن بثقة على مستقبلك” هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في كلمته قبل تلاوة صلاة التبشير الملائكي
تلا قداسة البابا فرنسيس ظهر اليوم الأحد صلاة التبشير الملائكي مع المؤمنين المحتشدين في ساحة القديس بطرس وقبل الصلاة ألقى الأب الأقدس كلمة قال فيها نحن في قلب مسيرة الصوم، واليوم يقدم لنا الإنجيل يسوع وهو يعلق على بعض الأحداث التي حصلت. وبينما كانت لا تزال حيّة ذكرى ثمانية عشر شخصًا ماتوا تحت انهيار أحد الأبراج، أخبروه عن بعض الجليليين الذين قتلهم بيلاطس. وهناك سؤال يبدو أنه يصاحب هذه الأخبار المأساوية: من المسؤول عن هذه الأحداث الفظيعة؟ ربما كان هؤلاء مذنبين أكثر من غيرهم ولذلك عاقبهم الله؟ إنها أسئلة آنيّة على الدوام. عندما تُثقِّل علينا أخبار الجريمة ونشعر بالعجز إزاء الشر، نسأل أنفسنا غالبًا: هل هو ربما عقاب من الله؟ هل هو الذي يرسل حربا أو جائحة ليعاقبنا على خطايانا؟ ولماذا لا يتدخل الرب؟
تابع الأب الأقدس يقول علينا أن نكون حذرين: عندما يُثقِّل علينا الشر، نواجه خطر أن نفقد الوضوح في الرؤية والتفكير، ولكي نجد إجابة سهلة لما لا يمكننا تفسيره، ينتهي بنا الأمر بإلقاء اللوم على الله. كم من مرة ننسب مصائبنا ومصائب العالم إلى الله، هو الذي يتركنا أحرارًا على الدوام وبالتالي لا يتدخل أبدًا بفرض نفسه، وإنما فقط من خلال اقتراح نفسه؛ هو الذي لا يستخدم العنف أبدًا، بل يتألم لأجلنا ومعنا! إنَّ يسوع، في الواقع، يرفض ويناقش بشدة فكرة أن نُسند شرورنا إلى الله: أولئك الأشخاص الذين قتلوا والذين ماتوا تحت البرج لم يكونوا مذنبين أكثر من الآخرين وليسوا ضحايا لإله طاغية وانتقامي، وغير موجود! لا يمكن للشرِّ أن يأتي أبدًا من الله لأنه “لا يعاملنا بحسب خطايانا”، بل بحسب رحمته.
أضاف الحبر الأعظم يقول وبدلاً من أن نلوم الله، يقول لنا يسوع، إنه علينا أن ننظر إلى داخلنا: لأنَّ الخطيئة هي التي تسبب الموت؛ وأنانيتنا هي التي تمزق العلاقات؛ وخياراتنا الخاطئة والعنيفة هي التي تطلق العنان للشر. عند هذه النقطة يقدم لنا الرب الحل الحقيقي، الارتداد: “إِن لَم تَتوبوا – يقول – تَهِلكوا بِأَجمَعِكُم كَذَلِك”. إنها دعوة مُلحّة، لاسيما في زمن الصوم هذا. لنقبلها بقلب مفتوح. ولنتحول عن الشر، ونتخلى عن الخطيئة التي تغرينا، ولننفتح على منطق الإنجيل: لأنه حيث يسود الحب والأخوَّة، لا يعود للشر قوة!
ولكنَّ يسوع، تابع البابا فرنسيس يقول، يعلم أن الارتداد ليس أمرًا سهلاً، وأننا كثيرًا ما نرتكب الأخطاء والخطايا عينها، فنشعر بالإحباط ويبدو لنا أن التزامنا بالخير لا فائدة منه في عالم يبدو أن الشر يسود فيه. وبالتالي، وبعد نداءه، يشجعنا بمَثَلٍ يخبرنا عن صبر الله تجاهنا. ويقدم لنا الصورة المعزيّة لشجرة تين لم تُثمر في الفترة المحددة، ولكنها لم تُقطع: بل مُنحت المزيد من الوقت، وفرصة أخرى. هكذا يفعل الرب معنا: فهو لا يفصلنا عن محبته، ولا ييأس، ولا يمل من منحنا ثقته مجددًا وبحنان. أيها الإخوة والأخوات إنَّ الله يؤمن بنا! ويثق بنا ويرافقنا بصبر. هو لا يفقد عزيمته، بل يضع فينا رجاءه مجدّدًا على الدوام. الله هو أب وينظر إليك كأب: وكأفضل الآباء، هو لا يرى النتائج التي لم تحققها بعد، وإنما الثمار التي ما زال بإمكانك أن تحملها؛ فهو لا يأخذ نواقصك بعين الاعتبار، ولكنه يشجع إمكانياتك؛ هو لا يتوقف عند ماضيك، بل يراهن بثقة على مستقبلك.
وختم البابا فرنسيس كلمته قبل تلاوة صلاة التبشير الملائكي بالقول لنطلب إذن من العذراء مريم أن تبعث فينا الرجاء والشجاعة، وأن تشعل فينا الرغبة في الارتداد.