“للقلب القاسي الذي يختار أن ينفتح بطاعة على الروح القدس يُعطي الله على الدوام النعمة والكرامة ليقف مُجدّدًا من خلال فعل تواضع” هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في عظته مترئسًا القداس الإلهي في كابلة بيت القديسة مرتا بالفاتيكان.
استهل الأب الأقدس عظته انطلاقًا من القراءة الأولى التي تقدّمها لنا الليتورجية اليوم من كتاب أعمال الرسل والتي نقرأ فيها عن ارتداد القديس بولس، وقال إن الغيرة على الأمور المقدّسة والمقدّسات لا تعني أن المرء يملك قلبًا منفتحًا على الله، فشاول كان شخصًا غيورًا في أمانته لمبادئ إيمانه ولكن قلبه كان مُغلقًا، وأصمًّا على صوت المسيح، لا بل كان “صَدرُه يَنفُثُ تَهديدًا وتَقتيلاً لِتَلاميذِ الرَّبّ. فقَصَدَ إِلى عَظيمِ الأَحبارِ، وطَلَبَ مِنه رَسائِلَ إِلى مَجامِعِ دِمَشق، حتَّى إِذا وَجَدَ أُناسًا على هذِه الطَّريقَة، رِجالاً ونِساء، ساقَهم موثَقينَ إِلى أُورَشَليم”.
تابع الحبر الأعظم يقول كل شيء قد تحوّل على تلك الطريق وأصبحت قصّة بولس قصّة رجل يسمح لله بأن يُغيِّر له قلبه. سطع حوله نور من السماء وسمع صوتًا يدعوه، فسقط إلى الأرض وعندما نهض عن الأرض كان قد أصبح أعمى. شاول القوي والواثق من نفسه سقط إلى الأرض، وفي تلك اللحظة فهم حقيقته وبأنه ليس رجلاً كما يريده الله أن يكون لأن الله خلقنا جميعًا لنقف أمامه بكرامة. لكن هذا الصوت الذي سمعه من السماء لم يقل له فقط: “شاوُل! شاوُل! لِماذا تَضطَهِدُني؟” بل دعاه لينهض: “قُم وادخُلِ المَدينة، فيُقالَ لَكَ ما يَجِبُ علَيكَ أَن تَفعَلِ”. أي ينبغي عليك أن تتعلّم بعد. وعندما بدأ بالنهوض لم يتمكن من الوقوف لأنه لم يكن يُبصر شيئًا، لبث مكفوف البصر، فجاء رفقاؤه واقتادوه بيده وبدأ قلبه بالانفتاح. وهكذا اقتاده رفقاؤه بيده إلى دمشق حيث لَبِثَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ مَكْفوفَ البَصَر لا يأكُلُ ولا يَشرَب. لقد سقط أرضًا ولكنّه فهم فورًا أنه ينبغي عليه أن يقبل هذه الإهانة، لأن درب انفتاح القلب تمرُّ عبر الإهانة، وعندما يسمح الرب بأن نتعرّض للإهانات فذلك لأنه يريدنا أن نفتح قلوبنا ونكون طائعين، ويريد أن تتحوّل قلوبنا إليه.
أضاف الحبر الأعظم يقول لقد ذاب قلب بولس. ففي أيام الوحدة والعمى هذه تغيّرت نظرة شاول الداخليّة؛ ثمَّ أرسل إليه الله حننيا ووَضَعَ يدَيهِ علَيه، فتَساقَطَ عِندَئذٍ مِن عَينَيهِ مِثلُ القُشور. فأَبصَرَ وقامَ فاعتَمَد. لكن ينبغي علينا على الدوام أن نأخذ بعين الاعتبار هذا الجانب من هذه الديناميكية ونتذكّر أن الدور الأساسي في هذه الأحداث لا يلعبه علماء الشريعة واسطفانوس ولا فيليبُّس ولا خازن ملكة الحبش ولا شاول… وإنما الروح القدس. لأن الروح القدس هو الذي يعمل في الكنيسة ويقود شعب الله. ويخبرنا كتاب أعمال الرسل: فتَساقَطَ عِندَئذٍ مِن عَينَيهِ مِثلُ القُشور. فأَبصَرَ وقامَ فاعتَمَد. لقد أصبحت قساوة قلب بولس طاعة للروح القدس.
وختم البابا فرنسيس عظته بالقول ما أجمل أن نرى كيف يمكن للرب أن يغيّر القلوب ويجعل القلب القاسي والمتصلّب يصبح طائعًا للروح القدس. جميعنا نملك قساوات في قلوبنا، جميعنا! وإن كان أحد منكم لا يملك أية قساوة في قلبه أسأله أن يرفع يده. جميعنا نملك قساوات معيّنة. لذا لنطلب من الرب أن يجعلنا نرى هذه القساوات التي تجعلنا نسقط أرضًا، وليرسل لنا النعمة والإهانات أيضًا – إن لزم الأمر – لكي لا نبقى على الأرض بل ننهض مجددًا بالكرامة التي نلناها عندما خلقنا أي بنعمة قلب منفتح على الروح القدس وطائع له.
إذاعة الفاتيكان