إستقبل البابا فرنسيس أمس المشاركين في اللّقاء الدّوليّ الأوّل لرؤساء المزارات والعاملين فيها، وقد توجّه إليهم بكلمة أكّد في بدايتها “انتظاره هذه اللّحظة الّتي تمَكّنه من لقاء الكثير من ممثّلي المزارات العديدة من مناطق العالم المختلفة”، وتحدّث خلالها عن أهمّيّة المزارات في المسيرة اليوميّة للكنيسة، “وذلك لكونها الأماكن الّتي يتجمع فيها الشّعب للتّعبير عن إيمانه ببساطة وحسب التّقاليد الّتي يتعلّمها الشّخص منذ الطّفولة، كما أنّها أماكن تحافظ على التّقوى الشّعبيّة حيّة وتغنيها بتعليم مسيحيّ يدعم ويعزّز الإيمان وتنمّي الشّهادة للمحبّة”.
وتابع البابا يقول بحسب “فاتيكان نيوز”: “إنّ المزارات غالبًا ما لا تتوجّه إليها مجموعات منظّمة من الأشخاص بل حجّاج بشكل فرديّ أو في مجموعات صغيرة، ومن الحزين ألّا يجد هؤلاء لدى وصولهم المزارات مَن يرحّب بهم ويستقبلهم كحجّاج قاموا بمسيرة غالبًا ما تكون طويلة لبلوغ هذه الأماكن، بل وأسوأ من هذا أن يجدوا الأبواب مغلقة. لا يمكن تركيز الاهتمام بشكل أكبر على الاحتياجات المادّيّة والماليّة ونسيان أنّ الحجّاج هم الأمر الأهمّ، وبالتّالي يجب توفير استقبال للحاج يجعله يشعر بنفسه في بيته كقريب في العائلة كان يُنتظر طويلاً، وها هو يصل أخيرًا. من جهة أخرى هناك أشخاص كُثر يتوجّهون إلى المزارات لارتباطها بالتّقاليد المحلّيّة، أو لأنّ ما في هذه المزارات من أعمال فنّيّة يشكّل عامل جذب، أو أيضًا لوجودها في أماكن طبيعيّة جميلة، وحين يتمّ استقبال هؤلاء الأشخاص يصبحون أكثر استعدادًا لفتح قلوبهم لتصقلها النّعمة. من هنا إنّ أجواء الصّداقة باعتبارها بذرة مثمرة يمكن لمزاراتنا أن تلقيها في أرض الحجّاج كي يتمكّنوا من أن يستعيدوا الثّقة في الكنيسة، تلك الثّقة الّتي تخيَّب في بعض الأحيان بسبب استقبال غير مُبال.
النّقطة الثّانية هي كون المزارات أماكن صلاة في المقام الأوّل، وإنّ الجزء الأكبر من المزارات هي مريميّة، أيّ للعذراء الّتي تفتح ذراعَي محبّتها الأموميّة لتصغي إلى صلاة كلّ شخص وتستجيب لها. إنّ المشاعر الّتي يشعر بها الحجّاج في المزارات في أعماق قلوبهم هي أيضًا مشاعر أمّ الله الّتي تبتسم لتمنحنا العزاء، تذرف الدّموع مع مَن يبكي، وتقدِّم لكلٍّ منّا ابن الله الّذي تحتضنه كأثمن ما لدى أمّ. في هذه المزارات تصبح مريم رفيقة درب لكلّ مَن يرفع إليها عينيه طالبًا النّعمة واثقًا من الحصول عليها، وتجيب العذراء على الجميع بزخم نظرتها، تلك النّظرة الّتي نجح الفنّانون في رسمها بإرشاد من العلى عبر التّأمّل”
أمّا عن الصّلاة فأشار إلى “ضرورتين”: “الأولى هي تعزيز صلاة الكنيسة الّتي تجعل الخلاص حاضرًا من خلال الاحتفال بالأسرار، ويجعل هذا كلّ مَن يوجد في المزارات يشعر بنفسه جزءًا من جماعة أكبر، تعلِن من مناطق العالم المختلفة الإيمان الواحد، تشهد للمحبّة نفسها وتعيش الرّجاء نفسه. إنّ الكثير من المزارات قد تأسّست بناء على طلب الصّلاة الّذي وجّهته مريم العذراء لمن ظهرت لهم، وذلك كي لا تنسى الكنيسة أبدًا كلمة الرّبّ يسوع والمداومة على الصّلاة (راجع لو 18، 1)، وأيضًا كي تظلّ يقظة بانتظار عودته (راجع مر 14، 28). والضّرورة الثّانية هي أن تعزّز المزارات صلاة الحاج الفرد في صمت القلب، يجب بالتّالي مساعدة كلّ شخص على أن يعبِّر عن صلاته الشّخصيّة بكلمات القلب، بالصّمت، وبما تعلّم في طفولته وبلفتات المحبّة. إنّ كثيرين يأتون إلى المزارات لطلب النّعمة ويعودون عقب تلَقّيهم القوّة والسّلام في التّجارب، ويجعل هذا المزارات أماكن خصبة كي تتغذّى دائمًا التّقوى الشّعبيّة وينمو التّعرّف على محبّة الله.
ومن الضّروريّ أيضًا ألا يشعر أحد في المزارات بأنّه غريب، وذلك خاصّة حين يتوجّه إليها حاملاً ثقل خطيئته، المزار هو بالتّمييز المكان الّذي تُختبر فيه الرّحمة الّتي لا تعرف الحدود. وكان هذا تحديدًا أحد الأسباب الّتي دفعته إلى أن تكون هناك أبواب الرّحمة أيضًا في المزارات خلال اليوبيل الاستثنائيّ، يوبيل الرّحمة. إنّ الرّحمة المختبَرة هي شكل من الكرازة الواقعيّة لأنّها تحوِّل مَن يتلقّى الرّحمة إلى شاهد للرّحمة”.
هذا ولفت البابا إلى أهمّيّة سرّ المصالحة في المزارات “والّذي يحتاج إلى كهنة تمّ تكوينهم بشكل جيّد، قدّيسين ورحماء”، معربًا عن رجائه في ألّا يغيب أبدًا في المزارات بشكل خاصّ مرسلو الرّحمة كشهود أمناء لمحبّة الآب، مشيرًا إلى “أنّ أفعال المحبّة يجب أن تعاش في المزارات بشكل خاصّ، لأنّ فيها ينفَّذ السّخاء والمحبّة بشكل تلقائيّ وطبيعيّ كأفعال طاعة ومحبّة للرّبّ يسوع ولمريم العذراء”.
وفي الختام، تضرّع البابا فرنسيس إلى أمّ الله طالبًا أن تعضد ضيوفه وترافقهم في المسؤوليّة الرّعويّة الكبيرة الموكلة إليهم.
بعد كلمته، كان حديث عن بعض خبرات البابا الشّخصيّة في الأرجنتين تأكيدًا على أهمّيّة علاقة الرّعاة بشعب الله وبالتّقوى الشّعبيّة.
نور نيوز