زار قداسة البابا فرنسيس دير الرئاسة العامة للرهبنة اليسوعيّة في روما حيث شارك في جلسة الجمعية العامة السادسة والثلاثين للرهبنة وبالصلاة مع جميع المشاركين وللمناسبة ألقى الأب الأقدس كلمة قال فيها فيما كنت أصلي فكّرت بما سأقوله لكم وتذكرت بتأثر كبير الكلمات التي قالها لنا الطوباوي بولس السادس في ختام جمعيتنا العامة الثانية والثلاثين: “هكذا أيها الإخوة والأبناء نسير معًا إلى الأمام باسم الله، أحرارًا وطائعين متحدين في محبة المسيح من أجل مجد الله الأعظم”. لقد شجعنا أيضًا القديس يوحنا بولس الثاني وبندكتس السادس عشر كي نسير السيرة التي تليق بالدعوة التي دُعينا إليها ونتابع المسيرة في هذه الرسالة بالأمانة لموهبتنا الأساسيّة. أن نسير معًا – أحرارًا وطائعين – متّجهين نحو الضواحي حيث لا يصل الآخرون تحت نظر يسوع وبالنظر إلى الأفق الذي هو مجد الله الأعظم الذي يدهشنا على الدوام. فاليسوعي مدعو – كما يؤكد القديس اغناطيوس – ليفكّر ويعيش في أي جزء من العالم حيث تكون ضروريتين خدمة الله ومساعدة النفوس.
تابع الأب الأقدس يقول إن السير بالنسبة للقديس اغناطيوس ليس مجرّد تنقُّل وإنما يُترجم من خلال شيء مميّز: إنّه “ربح” وتقدّم، إنه سير إلى الأمام والقيام بشيء ما في سبيل الآخرين. في هذا الإطار يستعمل القديس اغناطيوس ورفاقه الأوائل كلمة “إفادة” وهي التي تعطي المعيار التطبيقي لنميّز روحانيتنا. إن الإفادة ليست فرديّة وإنما جماعيّة، لأن هدف هذه الرهبنة ليس فقط الاهتمام بخلاص وكمال نفوس أعضائها بواسطة النعمة الإلهيّة وإنما أيضًا أن يساعدوا بواسطة النعمة عينها في خلاص وكمال نفوس الآخرين. “فالرهبنة هي حماسة” كما كان يقول الأب خيرونيمو نادال أحد رفاق القديس اغناطيوس ولكي ننعش الحماس في رسالة إفادة الأشخاص في حياتهم والعقيدة، تابع البابا يقول أرغب بالتوقف بشكل ملموس عند ثلاث نقاط تساعدنا في مسيرة تقدّمنا وهي ترتبط بالفرح والصليب والكنيسة وتهدف إلى أن تقودنا إلى الأمام وتزيل من أمامنا العوائق التي يضعها لنا العدو البشري عندما نسير في خدمتنا لله نحو الأفضل.
أضاف الأب الأقدس يقول يمكننا أن نقوم بخطوة إلى الأمام دائمًا من خلال طلب التعزية. ففي الرياضة الروحية يجعل القديس اغناطيوس رفاقه يتأمّلون بمهمة تعزية الآخرين كميزة خاصة للمسيح القائم من الموت. إنها مهمّة الرهبنة: تعزية الشعب الأمين ومساعدته في التمييز لكي لا يسلبنا العدو الفرح. إنَّ خدمة الفرح والتعزية هذه تتجذّر في الصلاة وتقوم على تشجيع بعضنا البعض لنطلب باستمرار تعزية الله. تشكّل ممارسة هذه الصلاة وتعليمها للآخرين الخدمة الأساسيّة للفرح، إذ لا يمكننا أن نحمل البشرى السارة بوجه حزين، الفرح ليس عنصرًا أضافيًّا للزينة وإنما هو مؤشِّر واضح للنعمة: يشير إلى المحبّة العاملة والحاضرة. وبحسب الرياضة الروحيّة يُعطى التقدّم في الحياة الروحيّة من خلال التعزية: إنه السير والنمو نحو الأفضل كما وهو أيضًا نمو في الرجاء والإيمان والمحبّة والفرح الداخلي. إن خدمة الفرح هذه هي ما دفع القديس اغناطيوس مع رفاقه الأوائل على تأسيس الرهبنة والتي تميّزت بالفرح الناتج عن صلاتهم معًا والانطلاق في الرسالة معًا تشبهًا بحياة الرب ورسله: فاليسوعي هو خادم فرح الإنجيل!
تابع الحبر الأعظم يقول يمكننا أيضًا أن نقوم بخطوة إلى الأمام إذا سمحنا للرب المصلوب أن يؤثِّر بنا إن كان شخصيًّا وإما من خلال حضوره في إخوتنا الذين يتألّمون. وبالتالي يشكّل يوبيل الرحمة زمنًا ملائمًا للتأمل حول خدمات الرحمة، وأقولها بصيغة الجمع لأن الرحمة ليست كلمة مجرّدة وإنما أسلوب حياة وتصرفات ملموسة. ونحن الذين نقوم بالرياضة الروحيّة هذه النعمة التي من خلالها يطلب منا يسوع أن نتشبّه بالآب تبدأ باللقاء بالرحمة الذي يشكل امتدادًا للقاء بالرب المصلوب بسبب خطاياي. لقد كان القديس اغناطيوس يعيش من رحمة الله حتى في أصغر الأمور في حياته وشخصه، وكان يشعر أنّه بقدر ما كان يضع الحواجز والعوائق كان الله يعامله بمحبة وصلاح أكبر، وبالتالي يصيغ القديس اغناطيوس خبرته للرحمة من خلال تعابير المشابهة هذه – عندما كنت أسيئ إلى الرب كان الرب يفيض علي نعمته – التي تحرّر قوّة الرحمة المحيية والتي غالبًا ما نجعلها تضيع في صيغ مجرّدة أو أوضاع قانونيّة. إن الرب ينظر إلينا برحمة ويختارنا برحمة ويرسلنا لنحمل رحمته بكامل فعاليّتها إلى الأشد فقرًا والخطأة والمهمّشين ومصلوبي العالم الحالي الذين يتألّمون بسبب الظلم والعنف.
أضاف الأب الأقدس يقول يمكننا أن نقوم بخطوة إلى الأمام من خلال صنع الخير بطيبة خاطر فيما نشعر مع الكنيسة كما يقول القديس اغناطيوس، فما يميّز الرهبنة اليسوعيّة أيضًا خدمة التمييز للأسلوب الذي من خلاله نقوم بالأمور. فالخدمة بطيب خاطر والتمييز يجعلاننا رجال كنيسة أي رجال للآخرين بدون أي شيء يعزلنا واضعين في الشركة والخدمة كل ما نملكه. نحن لا نسير وحدنا ولا بحسب راحتنا وإنما نسير بقلب لا ينغلق على ذاته بل ينبض على نغمة مسيرة تتحقق مع شعب الله الأمين بأسره.
وختم البابا فرنسيس مداخلته بالقول لنطلب من العذراء مريم سيّدة المسيرة، في لقاء بنوي أو في لقاء خادم مع سيّدته، بأن تشفع بنا أمام الآب الرحيم وإله كل تعزية لكي يضعنا على الدوام مع ابنه يسوع الذي يدعونا لنحمل معه صليب العالم. لنكل إليها أسلوب مسيرتنا كي تكون كنسيّة مُنثقفة فقيرة وخدومة وحرّة من أي تطلعات دنيويّة.
إذاعة الفاتيكان