ترأس قداسة البابا فرنسيس القداس الإلهي في مركز الدراسات في إيكاتيبيك في المكسيك بحضور عدد كبير من المؤمنين قدموا من مختلف أنحاء البلاد، وللمناسبة ألقى الأب الأقدس عظة استهلها بالقول: لقد بدأنا يوم الأربعاء الماضي زمن الصوم الليتورجي الذي من خلاله تدعونا الكنيسة للاستعداد للاحتفال بعيد الفصح الكبير. زمن مميّز لنتذكّر عطيّة معموديّتنا، عندما أصبحنا أبناء لله. تدعونا الكنيسة لننعش مجدّدًا العطيّة التي منحتها لنا لكي لا نتركها في النسيان كشيء من الماضي. إن زمن الصوم هو فرصة مناسبة لنستعيد الفرح والرجاء اللذان يجعلاننا نشعر بأننا أبناء محبوبون من الآب. هذا الآب الذي ينتظرنا ليرفع عنا ثياب التعب واللامبالاة والشك ويلبسنا ثياب الكرامة التي يمكن فقط لأب وأم أن يلبساها لأبنائهما، ثياب تولد من الحنان والمحبّة.
تابع الأب الأقدس يقول في كل منا يعيش حلم الله بأننا وفي كل فصح وكل إفخارستيا نحتفل بها نكون أبناء الله. حلم عاشه العديد من إخوتنا عبر التاريخ ويشهد عليه دم العديد من شهداء الأمس واليوم. الصوم هو زمن توبة لأننا نختبر في حياتنا كيف يُهدَّد هذا الحلم يوميًّا من قبل أب الكذب، ذاك الذي يريد أن يقسمنا مولِّدًا مجتمعًا منقسمًا ومتضاربًا، مجتمعًا لقليلين. كم من المرات نختبر في جسدنا أو في عائلاتنا وعائلات أصدقائنا الألَم النابع من عدم الإقرار بالكرامة التي نحملها في داخلنا.
أضاف الحبر الأعظم يقول الصوم هو زمن لننظّم الحواس ونفتح أعيننا إزاء الظلم الذي يطال حلم الله ومخطّطه. إنه زمن لنزيل القناع عن أشكال التجارب الثلاثة التي تشوّه الصورة التي أراد الله أن يطبعها. تجارب المسيح الثلاث هي أيضًا تجارب المسيحي الثلاث وهي تحاول أن تدمّر الحقيقة التي دُعينا إليها، تجارب ثلاث تسعى لتحقيرنا والحط من كرامتنا.
تابع الأب الأقدس يقول أولاً الغنى، من خلال استيلائنا على الخيور التي أُعطيَت للجميع ومن خلال استعمالها لنا ولمصالحنا. إنه الحصول على خبزنا من خلال تعب الآخرين وحياتهم. ذاك الغنى هو الخبز الذي يحمل طعم الألم والعذاب. ثانيًا الغرور، وهو ذاك السعي إلى الامتيازات القائمة على استبعاد وإقصاء الأشخاص الذين لا نعطيهم أي اعتبار. وثالثاً الكبرياء أي عندما نضع أنفسنا على مستوى أعلى من الآخرين وكأننا لا نتقاسم معهم “حياة البشر العاديين” ونصلّي قائلين: “أشكرك يا رب لأنك لم تخلقني مثلهم”.
أضاف الحبر الأعظم يقول تجارب المسيح الثلاث هي أيضًا التجارب الثلاث التي يواجهها المسيحي يوميًّا. تجارب ثلاث تحاول أن تحط وتدمر فرح ونضارة الإنجيل، وتُغلقنا في دائرة دمار وخطيئة. لذلك من الجدير أن نسأل أنفسنا: ما مدى إدراكنا لهذه التجارب في شخصنا وفي حياتنا؟ ما مدى اعتيادنا على أسلوب حياة يعتقد أن مصدر القوة والحياة يكمن في الغنى والغرور والكبرياء؟ إلى أي مدى نعتقد أن العناية بالآخر والاهتمام بكرامة الآخرين هما مصدر الفرح والرجاء؟
تابع الأب الأقدس يقول لقد اخترنا يسوع ولا الشيطان؛ نريد إتّباع خطاه ولكننا نعلم أنه ليس بالأمر السهل. نعرف ما معنى أن يغوينا المال والشهرة والسلطة؛ ولذلك تعطينا الكنيسة هذا الزمن وتدعونا للتوبة واثقين بأن الله ينتظرنا ويريد أن يشفي قلوبنا من كل ما يحقّرها ويحطُّ من كرامتها. إنه الإله الذي يُدعى رحمة، واسمه هو غنانا، وشهرتنا وسلطتنا، وباسمه نردد مع صاحب المزمور: “إِلَهي الَّذي أَلقَيتُ عَلَيهِ الإِتِّكال”.
وختم قداسة البابا فرنسيس عظته بالقول ليجدِّد فينا الروح القدس، في هذه الافخارستيا، الثقة بأن اسمه هو رحمة وليجعلنا نختبر يوميًّا أن الإنجيل “يملأ قلب وحياة جميع الذين يلتقون بيسوع” عالمين أن معه وبه “يولد الفرح مجدّدًا على الدوام” (فرح الإنجيل، عدد 1).
إذاعة الفاتيكان