“لكي ننمّي ملكوت الله نحن بحاجة للشجاعة كي نلقي حبّة الخردل ونمزج الخميرة، لكن غالبًا ما نفضّل راعويّة الإرتداد” هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في عظته مترئسًا القداس الإلهي في كابلة بيت القديسة مرتا بالفاتيكان والتي استهلّها انطلاقًا من الإنجيل الذي تقدّمه لنا الليتورجية اليوم من القديس لوقا والذي يقارن فيه يسوع ملكوت الله بحبة الخردل والخميرة وقال هذان العنصران الصغيران يملكان في داخلهما قوّة تنمو؛ وهكذا هو ملكوت الله تأتي قوّته من الداخل.
تابع الأب الأقدس يقول في القراءة الأولى التي تقدّمها لنا الليتورجيا اليوم أيضًا من رسالة القديس بولس إلى أهل روما يسلّط القديس بولس الضوء على كمّية التوترات التي نواجهها في حياتنا أي آلام الزمن الحاضر التي “لا تُعادِلُ المَجدَ الَّذي سَيَتَجَلّى فينا”، إنّه توتّر بين الألم والمجد، وفي هذه التوترات هناك شوق لتجلّي عظيم لملكوت الله، وهذا الشوق ليس شوقنا وحسب بل هو شوق الخليقة بأسرها التي، وعلى مثالنا، ” تَنتَظِرُ بِفارِغِ الصَّبرِ تَجَلِّيَ أَبناءِ الله”. والقوّة الداخليّة التي تحملنا بالرجاء إلى ملء ملكوت الله، هي قوّة الروح القدس.
أضاف الحبر الأعظم يقول إنَّ الرجاء هو الذي يحملنا إلى الملء، رجاء الخروج من هذا السجن ومن هذه المحدوديّة ومِن عُبودِيَّةِ الفَسادِ لِنُشارِكَ أَبناءَ اللهِ في حُرِّيَّتِهِم وَمَجدِهِم: إنها مسيرة رجاء. والرجاء هو عطيّة من الروح القدس، إنَّه الروح القدس الذي في داخلنا والذي يحملنا إلى هذا التحرير وهذا المجد، ولذلك نجد في حبّة الخردل الصغيرة قوّة تولِّد نموًّا لا يمكن تصوّره. هناك قوّة في داخلنا وفي داخل الخليقة وهي الروح القدس الذي يعطينا الرجاء. وشرح البابا في هذا الإطار معنى العيش في الرجاء: أي أن نسمح لقوّة الروح القدس أن تساعدنا لننمو نحو ملء المجد الذي ينتظرنا، ولكن يجب أن نسمح لها أن تمزجنا كما تُمزج الخميرة وتُلقينا كما تُلقى حبّة الخردل في الأرض وإلا فستبقى تلك القوّة في داخلنا، هكذا أيضًا ينمو ملكوت الله من الداخل.
تابع الأب الأقدس يقول إنَّ ملكوت الله ينمو من الداخل بقوّة الروح القدس وقد تحلّت الكنيسة بالشجاعة لتلقي وتمزج كما أنّها خافت أحيانًا أيضًا من القيام بذلك. وغالبًا ما نرى أنها تُفضِّل راعويّة الإرتداد على السماح للملكوت بأن ينمو، ونبقى كما نحن صغارًا متمسّكين بضماناتنا… فلا ينمو الملكوت. لكن لكي ينمو الملكوت نحن بحاجة لنتحلّى بالشجاعة كي نلقي حبّة الخردل ونمزج الخميرة.
أضاف الحبر الأعظم يقول صحيح أننا إذا ألقينا الحبّة سنفقدها، وأننا إن مزجنا الخميرة سنوسِّخ أيدينا ولكن هناك على الدوام خسارة ما في زرعنا لملكوت الله. الويل للذين يبشّرون بملكوت الله موهمين الناس بأنَّ الأمر لن يتطلّب منهم جهدًا وتضحية. هؤلاء هم مجرّد حراس متاحف يفضّلون الأمور الجميلة ولا فعل إلقاء الحبة لأنّه يولّد قوّة ولا المزج لأنّه يجعل القوّة تنمو. هذه هي رسالة يسوع وبولس: هذا التوتّر الذي يذهب من عبوديّة الخطيئة إلى ملء المجد. والرجاء هو الذي يسير قدمًا، الرجاء لا يخيّب لأنَّ الرجاء هو صغير جدًّا كجبة الخردل وكالخميرة.
وختم البابا فرنسيس عظته بالقول الرجاء هو الفضيلة الأكثر تواضعًا، ولكن حيث يكون الرجاء يكون الروح القدس الذي يحمل قدمًا ملكوت الله. ليسأل إذًا كل منا نفسه اليوم: هل نؤمن أن الروح القدس يقيم في الرجاء؟
إذاعة الفاتيكان