أجرى قداسة البابا فرنسيس صباح الأربعاء مقابلته العامة مع المؤمنين في قاعة بولس السادس في الفاتيكان واستهلّ تعليمه الأسبوعي بالقول نتابع التعاليم حول الوصايا ونتوقّف اليوم عند وصيّة “لا تلفُظ اسم الربِّ إلهِك باطلاً” (خروج ٢٠، ٧). نقرأ هذه الكلمة كدعوة لعدم الإساءة لاسم الله ولتحاشي استعماله بشكل غير ملائم. هذا المعنى الواضح يعدُّنا لنعمِّق بشكل أكبر هذه الكلمات الثمينة. لنصغِ إليها بشكل أفضل. إن كلمة “لا تلفظ” هي ترجمة لعبارة عبريّة ويونانيّة تعني حرفيًا “لن تأخذ على عاتقك”. أما كلمة “باطل” فهي أكثر وضوحًا وتعني “سُدًا وعبثًا”، وهي ميزة الرياء والكذب.
تابع الأب الأقدس يقول إن الاسم في الكتاب المقدّس هو الحقيقة الحميمة للأمور ولا سيما للأشخاص. يمثل الاسم غالبًا الرسالة. على سبيل المثال إبراهيم في سفر التكوين وسمعان بطرس في الأناجيل ينالان اسمًا جديدًا للإشارة إلى تغيير وجهة حياتهما. ومعرفة اسم الله حقًّا تحمل إلى تغيير للحياة الشخصيّة: ما إن عرف موسى اسم الله حتى تغيّر تاريخه. إن اسم الله في الطقوس اليهوديّة يعلن بشكل احتفالي في يوم الغفران العظيم، وينال الشعب الغفران لأنه يلمس بواسطة الاسم حياة الله الذي هو رحمة.
وبالتالي، أضاف البابا فرنسيس يقول “أن نأخذ اسم الله على عاتقنا” يعني أن نقبل حقيقته وندخل في علاقة قويّة ووثيقة معه. هذه الوصيّة بالنسبة لنا نحن المسيحين هي دعوة تذكّرنا بأننا معمّدون “باسم الآب والابن والروح القدس” كما نؤكِّد في كلِّ مرّة نرسم على جباهنا إشارة الصليب لنعيش أعمالنا اليوميّة في شركة حقيقيّة مع الله ومحبّته. وحول رسم إشارة الصليب أرغب في التذكير مرّة أخرى: علِّموا الأطفال أن يرسموا إشارة الصليب. إنّه أول فعل إيمان للأطفال، وهذه مهمّتكم. يمكننا أن نتساءل: هل يمكن للمرء أن يأخذ اسم الله على عاتقه بشكل مرائي وسُدًا. يأتي الجواب إيجابيًّا للأسف: نعم، هذا ممكن. يمكن للمرء أن يعيش علاقة مزيّفة مع الله. وهذا ما كان يسوع يقوله عن علماء الشريعة، كانوا يتكلّمون عن الله ولكنّهم ما كانوا يصنعون مشيئته، ولذلك أوصى يسوع الناس قائلاً: “إسمعوا أقوالهم ولا تفعلوا أفعالهم”. نعم من الممكن أن يعيش المرء علاقة مزيّفة مع الله، تمامًا كهؤلاء الأشخاص. وكلمة الوصايا العشرة هذه هي دعوة لعلاقة بدون رياء وزيف مع الله، علاقة نسلِّم فيها أنفسنا له بما نحن عليه. في الواقع، ما لم نخاطر بحياتنا مع الرب ونلمس بيدنا أن الحياة فيه، فإننا نقدِّم نظريات فقط.
تابع الأب الأقدس يقول هذه هي المسيحيّة التي تلمس القلوب؛ أنها لقاء الله حقيقة. لماذا يمكن للقديسين أن يلمسوا قلوبنا؟ لأنّ القديسين لا يُكلِّمون قلوبنا وحسب بل يحرِّكوها! فالقلب يتحرّك عندما يكلِّمه شخص قدّيس، والقديسون يملكون هذه القدرة لأننا نرى فيهم ما ترغب فيه قلوبنا في العمق: صدق وعلاقات حقيقيّة وجذريّة. وهذا ما نراه أيضًا في أولئك القديسين الذين يقيمون بقربنا وهم على سبيل المثال العديد من الوالدين الذين يعطون لأبنائهم مثال حياة صادقة وبسيطة، نزيهة وسخيّة. إن تزايد المسيحيون الذين يأخذون على عاتقهم اسم الله بدون رياء – فيعيشون هكذا أول طلبة من صلاة الأبانا “ليتقدّس اسمك”- فسيتمُّ الإصغاء بشكل أكبر لإعلان الكنيسة وسيصبح أكثر مصداقيّة. إن أظهرت حياتنا الملموسة اسم الله، فسيظهر كم هي جميلة المعموديّة وكم هي عظيمة عطيّة الإفخارستيا، ذلك الاتحاد الرائع بين جسدنا وجسد المسيح. هذا ليس رياءً، بل هي الحقيقة!
أضاف الأب الاقدس يقول بعد صليب المسيح لا يمكن لأحد أن يزدري نفسه أو يفكّر بالسوء بحياته مهما كانت الأشياء التي فعلها، لأن اسم كل فرد منا موجود على كتف المسيح. أن نأخذ على عاتقنا اسم الله هو أمر يستحق العناء، لأنه قد أخذ اسمنا على عاتقه حتى النهاية، وأخذ أيضًا الشر الذي فينا ليغفر لنا وليضع محبّته في قلوبنا. لذلك يعلن الله في هذه الوصيّة: “خذني على عاتقك لأنّني أخذتك على عاتقي”. وختم البابا فرنسيس تعليمه الأسبوعي بالقول يمكن لأيِّ شخص كان ومهما كانت الحالة التي يعيشها أن يدعو اسم الرب القدّوس، الرب الذي هو محبّة أمينة ورحيمة؛ لأنَّ الله لن يرفض أبدًا قلبًا يتضرّع إليه بصدق.
إذاعة الفاتيكان