مفهوم العدالة في الإنجيل وكيفية تطبيقها اليوم. كان هذا محور كلمة البابا فرنسيس إلى أعضاء المجلس الأعلى الإيطالي للقضاء الذين استقبلهم ظهر اليوم الجمعة.
استقبل البابا فرنسيس ظهر اليوم في قاعة بولس السادس أعضاء المجلس الأعلى للقضاء الإيطالي. وتوقف في بداية كلمته إليهم عند ما وصفها بالمهمة النبيلة والحساسة التي هم مكلفون بها، مضيفا أنهم يمثلون هيئة عليها ضمان استقلالية القضاء وإدارة العدالة. وذكَّر قداسته بأن الدستور الإيطالي يوكل إليهم رسالة خاصة هي هبة وواجب، وهي إدارة العدالة باسم الشعب. وتابع أن الشعب يريد العدالة، والعدالة تحتاج إلى الحقيقة والثقة والأمانة وحسن النوايا. وذكَّر الأب الأقدس بمَثل القاضي الظالم حسب ما رواه القديس لوقا الإنجيلي حين تحدث يسوع عن أرملة فقيرة تطلب من قاضٍ بشكل يومي أن ينصفها. وقال البابا لضيوفه بالتالي إن الإصغاء اليوم إلى صرخات من لا صوت له ويتعرض للظلم يساعدهم على أن يحوِّلوا السلطة التي تلقوها إلى خدمة لكرامة الشخص البشري والخير العام.
وواصل البابا فرنسيس حديثه مشيرا إلى أن العدالة تُعرَّف باعتبارها الرغبة في منح كل شخص ما يحق له، إلا أن العدالة وعبر التاريخ قد حددت مقاييس مختلفة لما يحق للأشخاص، بينما بالنسبة للإنجيل فإن ما يحق لكل فرد هو الاعتراف بكرامته المقدسة والتي لا يمكن انتهاكها. وتابع الأب الأقدس مذكرا برمز العدالة في الفن الكلاسيكي، أي المرأة مغطاة العينين التي تحمل ميزانا، وذلك تعبيرا عن المساواة والتناسب والحيادية في ممارسة العدالة. أما بالنسبة للإنجيل فتتطلب إدارة العدالة الرحمة أيضا، وتابع أن ما من إصلاح سياسي للقضاء يمكنه تغيير حياة مَن يطبقون العدالة ويديرونها إن لم يختار هؤلاء، وانطلاقا من ضمائرهم، لمن وكيف ولماذا يحققون العدالة.
وفي توقفه عند التساؤل الأول، لمن، قال البابا فرنسيس إنه تساؤل ينير علاقة مباشرة مع شخص، مع وجه يجب منحه إجابة. وأكد الأب الأقدس هنا أن ثقافة العدالة الإصلاحية هي الترياق الوحيد ضد الانتقام والنسيان، وذلك لأنها تسعى إلى إعادة تركيب الروابط التي انكسرت، وهو ما أراد قداسته الإشارة إليه في الرسالة العامة Fratelli tutti وذلك انطلاقا من العقيدة الاجتماعية للكنيسة. وعن التساؤل الثاني، كيف، قال البابا فرنسيس إن هذا يتم دائما عبر الإصلاح، وذكَّر في هذا السياق بحديث يسوع حسب إنجيل القديس يوحنا عن إلقاء الأغصان اليابسة بدون قطع الشجرة، وتابع البابا أن هذا في العدالة يعني مواجهة صراع السلطة والفساد بأشكاله والتقاعس. أما التساؤل حول لماذا ندير العدالة فيقودنا إلى معنى فضيلة العدل، والتي تصبح بالنسبة للقضاة معنى هويتهم الشخصية والاجتماعية. وذكَّر البابا هنا بما جاء في سفر الملوك الأول حين سأل الله سليمان الحكيم ماذا يريد أن يعطيه، فأجاب: “هب عبدك قلبا فهيما ليحكم شعبك ويميز بين الخير والشر”.
وفي ختام كلمته إلى أعضاء المجلس الأعلى للقضاء في إيطاليا شدد البابا فرنسيس على أن الكتاب المقدس لا يقدم فكرة مجردة عن العدالة، وهو ما تؤكده محاكمة يسوع حين طلب الشعب معاقبة الصالح وإطلاق الشرير. ورغم تساؤل بيلاطس “أي شر فعل هذا الرجل” فإنه غسل يديه. وأضاف البابا فرنسيس إنه حين تتحالف القوى الكبيرة للحفاظ على مكانتها فإن البار يدفع من أجل الجميع. وأكد الأب الأقدس أهمية مصداقية الشهادة ومحبة العدالة والاستقلالية عن السلطات الأخرى، فهذا ما يحُول دون أن تكون الغلبة للتأثير السياسي ودون غياب النزاهة.