ذكّر البابا فرنسيس مرّة جديدة بمكانة لبنان بالنّسبة إليه، والّذي اعتبره، في حديثه إلى الصّحفيّين خلال طريق العودة من البحرين، أنّه “مصدر ألم” بالنّسبة له، “فلبنان ليس مجرّد بلد بل يحمل معنى كبيرًا بالنّسبة لنا جميعًا”، مجدّدًا نداءه إلى السّياسيّين للابتعاد عن مصالحهم الشّخصيّة والاتّفاق من أجل النّهوض بالوطن، داعيًا الجميع إلى الصّلاة من أجل وطن الأرز.
وفي تفاصيل حواره مع الصّحفيّين، وبحسب “فاتيكان نيوز”، “كان السّؤال الأوّل من صحفيّة وكالة البحرين للأنباء الّتي سألت الأب الأقدس تقييمه لزيارته الرّسوليّة وأيضًا لجهود البحرين من أجل ترسيخ وتعزيز العيش معًا. وفي إجابته قال البابا إنّ هذه كانت زيارة لقاء، مشيرًا إلى الحوار بين الأديان مع الإسلام من جهة والحوار المسكونيّ مع البطريرك برتلماوس من جهة أخرى. وأعرب قداسته عن تأثّره بمداخلات الإمام الأكبر شيخ الأزهر وبإصراره على الحوار الإسلاميّ الإسلاميّ، لا لإزالة الاختلافات بل من أجل الفهم المتبادل والعمل معًا. وأشار الأب الأقدس هنا إلى ما شهد تاريخ المسيحيّة من اختلافات أدّت أيضًا إلى حروب، بينما هناك اليوم، وبعد المجمع الفاتيكانيّ الثّاني، تقارب حيث يمكن الحوار والعمل معًا. أشاد البابا فرنسيس من جهة أخرى بما ذُكر خلال اللّقاء مع مجلس حكماء المسلمين حول الخليقة وحمايتها، ثمّ تحدّث عن أهمّيّة الزّيارة من وجهة النّظر المسكونيّة. وأضاف البابا أنّه قد تعرّف في البحرين على ثقافة منفتحة على الجميع كما ولفتت انتباهه الأعداد الكبيرة للمسيحيّين سواء من الفلبّين أو ولاية كيرالا الهنديّة الّذين يعيشون ويعملون في البحرين.
كان السّؤال التّالي من صحفيّ لبنانيّ حول مسيرة الحوار منذ توقيع وثيقة الأخوّة الإنسانيّة، وشكر الصّحفيّ البابا فرنسيس على تذكّره لبنان وتحدّث عن حاجة هذا البلد العاجلة إلى أن يزوره الأب الأقدس. وعاد البابا في إجابته إلى وثيقة الأخوّة وكيف وُلدت فكرتها، فأشار إلى استقباله في الفاتيكان الإمام الأكبر أحمد الطّيّب وسأله عقب الاستقبال الرّسميّ أن يتناول معه الغداء حيث تقاسما الخبز في لفتة أخويّة، ثمّ وُلدت فكرة الوثيقة في ختام هذا الغداء. وتابع قداسته أنّه واصل التّفكير في قضيّة الأخوّة بعد صدور وثيقة أبو ظبي، وهكذا جاءت الرّسالة العامة حول الصّداقة الاجتماعيّة Fratelli tutti. وأراد البابا هنا التّشديد على أنّه لم يكن لكلّ هذا أن يتمّ بدون البركة الإلهيّة، فالله هو من ألهم بهذا الدّرب. وفي حديثه عن لبنان قال البابا فرنسيس إنّ هذا مصدر ألم بالنّسبة له، فلبنان ليس مجرّد بلد بل يحمل معنى كبيرًا بالنّسبة لنا جميعًا. وأكّد الأب الأقدس صلاته من أجل لبنان كما ووجّه نداء إلى السّياسيّين كي يبتعدوا عن المصالح الشّخصيّة وليتّفقوا، وشدّد على ضرورة إيقاف ما يشهد هذا البلد من تدهور وأن يستعيد عظمته. وطلب البابا من الجميع الصّلاة من أجل لبنان وحثّهم كصحفيّين على الحديث عمّا يدور في هذا البلد لنشر الوعي.
ومن بين ما تًلَقى البابا فرنسيس من أسئلة كان هناك سؤال عن الوضع في إيران ومطالبة النّساء بحقوقهنّ، وقال البابا فرنسيس في إجابته إنّ الكفاح من أجل حقوق المرأة كفاح متواصل، وتَذكَّر هنا الكفاح في الأرجنتين في خمسينات القرن العشرين من أجل الحقوق المدنيّة للنّساء وليتمكنَّ من التّصويت في الانتخابات. وشدّد قداسته على أنّه لا يمكن لمجتمع أن يتطوّر بدون وضع المرأة في المرتبة الّتي تستحقّها.
أجاب الأب الأقدس بعد ذلك على سؤال حول الحرب في أوكرانيا وحول وساطة فاتيكانيّة لإجراء مفاوضات سلام. وعاد البابا فرنسيس في إجابته إلى بداية اندلاع الحرب حيث توجّه في اليوم الثّاني إلى السّفارة الرّوسيّة لدى الكرسيّ الرّسوليّ للحديث إلى السّفير الّذي يعرفه جيّدًا، وقال البابا إنّه أخبر السّفير باستعداده للتّوجّه إلى موسكو للتّحدّث مع الرّئيس بوتين إن اقتضى الأمر، وقد أجاب وزير الخارجيّة الرّوسيّ لافروف على هذا شاكرًا ومضيفًا أنّه ليس ضروريًّا حتّى تلك اللّحظة. وأضاف البابا أنّه تحدّث هاتفيًّا إلى الرّئيس الأوكرانيّ زيلينسكي ثمّ مع السّفير أكثر من مرّة، وتحدّث قداسته عن العمل لتحقيق تقارب ومحاولة التّوصّل إلى حلول، كما وكرّر الأب الأقدس وصف أوكرانيا بالمعذّبة وأعرب من جهة أخرى عن محبّته للشّعب الرّوسيّ. هذا وأراد البابا فرنسيس في سياق حديثه عن أوكرانيا الإشارة إلى أنّ العالم قد شهد ثلاث حروب عالميّة خلال قرن من الزّمن، أيّ الحربين العالميّتين ثمّ ما نشهده الآن، وأعرب عن قناعته بأنّ الكارثة الكبرى في العالم هي صناعة الأسلحة. وتذكَّر البابا في هذا السّياق اليمن ومعاناة أطفال هذا البلد من الجوع، كما وتحدّث عن الرّوهينغا في ميانمار وأعرب عن الرّجاء في أن يوقف الاتّفاق الأخير النّزاع في إثيوبيا. ودعا قداسته الصّحفيّين إلى أن يكونوا من أنصار السّلام وأن يتحدّثوا ويكافحوا ضدّ الحرب.
سؤال آخر كان حول صمت الكنيسة في فرنسا عن إدانة أسقف سنة ٢٠٢١ لارتكابه اعتداءات جنسيّة بينما كان كاهنًا في تسعينات القرن الماضي، وتابع السّؤال متوقّفًا عند اعتقاد كثيرين بضرورة أن تتمتّع الأحكام الكنسيّة بالشّفافيّة. وعقب توجيه الشّكر على هذا السّؤال تحدث البابا فرنسيس عن تغيّر العادة السّيّئة المتمثّلة في التّغطية على أغلب الحالات على مثل هذه الأفعال. وأكّد عزم الكنيسة السّير على هذه الدرب وأشاد هنا بعمل الكاردينال أومالي رئيس اللّجنة الحبريّة لحماية القاصرين.
ثمّ جاء سؤال حول الحكومة اليمينيّة الجديدة في إيطاليا وموقفها من قضيّة الهجرة واستقبال المهاجرين. وشدّد الأب الأقدس على ضرورة أن يحصل المهاجرون على الاستقبال والمرافقة والتّعزيز والدّمج، وأضاف أنّ على دول الاتّحاد الأوروبيّ الاتّفاق على عدد مَن يمكن لكلّ بلد استقباله من مهاجرين، وهذه مسؤوليّة الاتّحاد الأوروبيّ. وأشار البابا إلى ما وصفها بمسؤوليّة أوروبيّة أخرى وهي تعرّض أفريقيا للاستغلال ما يؤدّي إلى محاولة الأشخاص مغادرة القارّة. وأكّد قداسته ضرورة إنقاذ حياة الأشخاص في البحار مشيرًا إلى أنّ البحر المتوسّط قد أصبح ربّما أكبر مقبرة في العالم.
كان السّؤال الأخير حول ما يمكن تعلُّمه من كنيسة صغيرة مثل تلك الّتي تعرّفنا عليها في البحرين بالنّسبة لكنيسة كبيرة مثل الكنيسة في ألمانيا. وفي إجابته أراد البابا فرنسيس أن يقول للكنيسة الكاثوليكيّة في ألمانيا إنّ هناك كنيسة إنجيليّة كبيرة وليس هناك داع لأخرى لن تكون جيّدة مثل تلك الموجودة بالفعل، بل هناك حاجة إلى كنيسة كاثوليكيّة في أخوّة مع تلك الإنجيليّة. وختم قداسته مشدّدًا على أنّ جذور الدّين تكمن في لقاء يسوع المسيح الحيّ، ومن هنا ينطلق كلّ شيء، الإقدام الرّسوليّ والتّوجّه إلى الضّواحي”.