ترأس قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الأحد في ساحة القديس بطرس القداس الإلهي احتفالا بعيد العنصرة. وتحدث الأب الأقدس في عظته عن شك التلاميذ وعدم قدرتهم على البشارة بالقائم رغم أنهم قد رأوه وأصغوا إليه وأكلوا معه أيضا. ولكن مع حلول الروح القدس تلاشت مخاوف التلاميذ، لم يخف الرسل حتى أمام من أمسكهم، وبعد أن كانوا حريصين على إنقاذ حياتهم لم يعودوا يخشون الموت، وبعد أن كانوا في دار أُغلقت أبوابها أصبحوا يبشرون جميع الأمم، وبعد أن كانوا ينتظرون حتى صعود يسوع أن يعيد الله الـمـُلك إلى إسرائيل (رسل 1، 6) أصبحوا متلهفين لبلوغ حدود مجهولة. وواصل البابا فرنسيس الحديث عن التلاميذ بعد العنصرة متوقفا عند التجدد الذي أحدثه شباب الروح القدس، وقال إن هؤلاء الشباب الذين وبسبب عدم اليقين ظنوا أنهم قد بلغوا النهاية قد تحولوا بفضل فرحٍ جعلهم يولَدون من جديد، فهذا ما فعل الروح القدس. وأضاف الأب الأقدس أن الروح القدس ليس شيئا مجردا كما قد يبدو، وعاد إلى قصة التلاميذ مذكرا بأن الروح القدس لم يجعل الأمور أكثر سهولة بالنسبة لهم ولم يقم بمعجزات مذهلة ولم يُزل المشاكل أو المعارضين، بل حمل إلى حياة التلاميذ ذلك التناغم الذي لم يكن موجودا، فالروح القدس هو التناغم.
توقف قداسة البابا بعد ذلك عند هذه الكلمة، التناغم، فتحدث عن التناغم داخل الإنسان وعاد إلى التلاميذ مشيرا إلى أنهم كانوا في حاجة إلى أن يتغيروا، وقد رأينا أن حتى رؤية القائم ليست كافية بدون استقباله في القلب، ولا تكفي معرفة أن القائم حي إن لم نحيا كقائمين، والروح القدس هو من يجعل يسوع يحيا ويحيا مجددا فينا، هو من يقيمنا في داخلنا. ولهذا، واصل الأب الأقدس، كرر يسوع لتلاميذه كلمة “السلام عليكم” وأعطاهم الروح القدس، فالسلام ليس في حل المشاكل الخارجية بل في تلَقي الروح القدس. وقال البابا فرنسيس أن هذا السلام هو مقدَّم لكل واحد منا، سلام يجعل القلب كبحر عميق في هدوء دائم حتى وإن كانت الأمواج على السطح في اهتياج. وتحدث قداسته هنا عن ميلنا إلى البقاء على السطح وأضاف أننا لن نكون في سلام بحل مشاكل اللحظة، بل أن التغير الحقيقي هو سلام يسوع، تناغم الروح القدس.
وعن التناغم اليوم قال البابا فرنسيس إنه يبدو مهمَّشا في العجلة التي يفرضها علينا زمننا، كما وأننا في عصبية مستمرة تجعلنا نتفاعل بشكل سيء مع كل شيء ونبحث عن حلول سريعة وعن مشاعر سريعة لنشعر باننا أحياء، بينما نحن في حاجة في المقابل إلى الروح القدس لأنه السلام عند الاضطراب والثقة عند الإحباط، الفرح عند الحزن، الشباب في الشيخوخة، الشجاعة في المحن. الروح القدس هو من يثبِّت مرساة الرجاء وسط تيارات الحياة العاصفة، هو من يحُول دون عودتنا إلى الخوف لأنه يجعلنا نشعر بأننا أبناء محبوبون حسب ما يؤكد القديس بولس في رسالته إلى أهل رومة (راجع روم 8، 15). الروح القدس هو أيضا المعزي الذي ينقل إلينا حنان الله. وتابع الأب الأقدس أنه بدون الروح القدس تكون الحياة المسيحية محرومة من المحبة التي توحِّد كل شيء، ويظل يسوع شخصية من الماضي بينما بالروح القدس هو شخص حي اليوم، بالروح القدس يصبح الكتاب المقدس كلمة حياة، والمسيحية حياة.
ثم انتقل البابا فرنسيس للحديث عن التناغم الذي يحمله الروح القدس لا في الداخل فقط بل وأيضا في الخارج، بين الأشخاص، فهو من يجعلنا كنيسة. وذكّر قداسته هنا بتكرار استخدام بولس الرسول في حديثه عن الكنيسة كلمة التنوع، حيث تحدث عن أنواع المواهب والخدمات والأعمال، وتابع الأب الأقدس أننا متنوعون، وهذا تنوع ما نتلقاه من الروح القدس الذي يبني الوحدة من هذا التنوع. ثم شدد البابا فرنسيس على حاجتنا إلى الروح القدس، روح الوحدة الذي يشكل الكنيسة والعالم كأماكن أبناء وأخوة. وأضاف قداسته أن مَن يعيش حسب الروح القدس يحمل السلام حيثما هناك خلاف، والتوافق حيثما هناك صراع، يقابل الشر بالخير ويجيب على الغطرسة بالوداعة، على الضجيج بالصمت، على الثرثرة بالصلاة وعلى الانهزامية بالابتسامة.
وفي ختام عظته مترئسا القداس الإلهي في ساحة القديس بطرس صباح اليوم الأحد احتفالا بعيد العنصرة، دعا البابا فرنسيس إلى أن نضع نظرة الروح القدس قبل نظرتنا، فهكذا تتغير الأمور، بالروح القدس تكون الكنيسة شعب الله المقدس، والرسالة نقل الفرح، والآخرون أخوة وأخوات محبوبين من الآب ذاته. هذا ودعا الأب الأقدس من جهة أخرى إلى رفع الصلاة يوميا إلى الروح القدس كي يحل فينا ويهبنا فرح القيامة وشباب القلب الدائم، ولينشر سلامه في الكنيسة وفي العالم ويجعلنا صانعي وفاق، زارعي خير، ورسل رجاء.
اخبار الفاتيكان