أجرى قداسة البابا فرنسيس مقابلته العامة مع المؤمنين في ساحة القديس بطرس واستهل تعليمه الأسبوعي بالقول سأتوقّف اليوم عند أحد أبعاد الرجاء وهو سهر الإنتظار. يشكّل موضوع السهر أحد الخطوط الأساسيّة في العهد الجديد، فيسوع يعظ تلاميذه قائلاً: “لِتَكُنْ أَوساطُكُم مَشدودة، ولْتَكُنْ سُرُجُكُم مُوقَدَة، وكونوا مِثلَ رِجالٍ يَنتَظِرونَ رُجوعَ سَيِّدِهم مِنَ العُرس، حتَّى إِذا جاءَ وقَرَعَ البابَ يَفتَحونَ لَه مِن وَقتِهِم”.
تابع الأب الأقدس يقول يطلب منا الإنجيل أن نكون كالعبيد الذين لا ينامون إلا بعد أن يعود سيّدهم. هذا العالم يتطلّب مسؤوليّتنا ونحن نتحمّلها بالكامل وبمحبّة. يريد يسوع أن تتّسِم حياتنا بالاجتهاد وألا نستسلم أبدًا، لنقبل بامتنان ودهشة كل يوم يمنحنا الله إياه. كل صباح هو صفحة بيضاء يبدأ المسيحي بكتابتها بواسطة الأعمال الصالحة. لقد خُلِّصنا بفداء يسوع ولكننا ننتظر الآن ملء ظهور سيادته: عندما سيصبح اللّهُ كُلَّ شَيءٍ في كُلِّ شيَء. وعندما يصل هذا اليوم نريد نحن المسيحيون أن نكون كهؤلاء العبيد الذين أمضوا الليل أوساطهم مشدودة ومصابيحهم مضاءة: علينا أن نكون مُستعدِّين للخلاص الآتي، وجاهزين للقاء. هل فكّرتم يومًا كيف سيكون ذلك اللقاء بيسوع عندما سيأتي؟ سيكون عناقًا وفرحة عارمة! وبالتالي علينا أن نعيش في انتظار هذا اللقاء!
أضاف الحبر الأعظم يقول إن المسيحي لم يُخلق للضجر والملل وإنما للصبر؛ ويعرف أيضًا أنَّ في رتابة بعض الأيام المُتشابهة يختبئ سرُّ نعمة. هناك أشخاص يصبحون بمثابرتهم في المحبّة كآبار تروي الصحراء. لا شيء يحصل عبثًا، وما من وضع ينغمس فيه المسيحي ويكون مُستثنى من المحبّة. ما من ليل طويل لدرجة أن ينسينا فرح الفجر. إن بقينا متّحدين بيسوع، فلن يشلّنا برد الأوقات الصعبة، وإن كان العالم بأسره يعظ ضدَّ الرجاء ويقول إنَّ المستقبل سيحمل الغيوم السوداء فقط فالمسيحي يعرف أنَّ في هذا المستقبل عينه نجد عودة المسيح. ومتى سيتمُّ هذا كلّه، لا أحد يعرف؛ ولكنَّ فكرة أنَّ يسوع الرحوم سيكون في نهاية قصّتنا تكفي لنثق بالحياة ولا نلعنها. كلُّ شيء سيُخلَّص، سنتألَّم وسنعيش لحظات تولّد الغضب والاستياء، لكنَّ ذكرى المسيح الطيّبة والقويّة ستطرد تجربة التفكير بأنَّ هذه الحياة خاطئة.
تابع البابا فرنسيس يقول بعد معرفتنا بيسوع لا يمكننا إلا أن نتفحّص التاريخ بثقة ورجاء. يسوع هو كبيت ونحن في داخله وننظر إلى العالم من نوافذ هذا البيت. لذلك لا ننغلقنَّ في ذواتنا ولا نتأسَّفنَّ بحزن على ماضٍ نعتبره ذهبي، وإنما لننظر إلى الأمام دائمًا نحو مستقبل لا يكون فقط عمل يدينا وإنما وقبل كلِّ شيء اهتمام دائم بعناية الله. إنَّ الله لا يكذِّب نفسه؛ وهو لا يخيِّب أبدًا! ومشيئته تجاهنا ليست ضبابيّة أو غير واضحة بل هي مشروع خلاص واضح: “لأنَّ الله يُريدُ أَن يَخلُصَ جَميعُ النَّاسِ ويَبلُغوا إِلى مَعرِفَةِ الحَقّ” (1 تيم 2، 4). لذلك لا نستسلمنَّ لمجرى الأحداث بتشاؤم، كما ولو كانت الحياة قطارًا فقدنا السيطرة عليه. إنَّ الاستسلام ليس فضيلة مسيحيّة، وكما أنّه ليس من شيم المسيحيين أن يحنوا رؤوسهم إزاء قَدَر يبدو حتميًّا ومُحتّمًا.
أضاف الحبر الأعظم يقول إنَّ الشخص الذي يحمل الرجاء إلى العالم ليس أبدًا شخصًا خنوعًا أو ذليلاً لأنَّ يسوع يوصينا أن ننتظره ساهرين: “طوبى لأُولِئكَ الخَدَم الَّذينَ إِذا جاءَ سَيِّدُهم وَجَدَهم ساهِرين”؛ وبالتالي ما من صانع سلام لم يخاطر بسلامه الشخصي آخذًا على عاتقه مشاكل الآخرين.
وختم البابا فرنسيس عظته بالقول لنكرِّر، في كل يوم من حياتنا، تلك الصلاة التي كان التلاميذ الأوائل يعبّرون عنها، بلغتهم الآراميّة، بالكلمات: “ماراناتاه” والتي نجدها في الآية الأخيرة في الكتاب المقدّس: “تَعالَ، أَيُّها الرَّبُّ يَسوع!”. إنَّها لازمة كل حياة مسيحيّة: نحن لا نحتاج لشيء في عالمنا إلا للمسة حنان المسيح. إنَّها لنعمة كبيرة إن شعرنا خلال الصلاة، في أيام هذه الحياة الصعبة، بصوته الذي يجيب ويطمئننا: “هاءَنذا آتٍ على عَجَل!” (رؤيا 22، 7).
إذاعة الفاتيكان
الرئيسية | أخبار الكنيسة | البابا فرنسيس: كل صباح هو صفحة بيضاء يبدأ المسيحي بكتابتها بواسطة الأعمال الصالحة
الوسوم :البابا فرنسيس: كل صباح هو صفحة بيضاء يبدأ المسيحي بكتابتها بواسطة الأعمال الصالحة