الرباط بين السلام والرعاية وكون السلام أمرا يعنينا دائما، هذا ما تحدث عنه البابا فرنسيس اليوم خلال استقباله الطلاب والمعلمين المشاركين في لقاء محوره التربية على السلام والرعاية تنظمه الشبكة الدولية للمدارس من أجل السلام.
استقبل قداسة البابا فرنسيس بعد ظهر اليوم الطلاب والمعلمين المشاركين في لقاء محوره التربية على السلام والرعاية تنظمه الشبكة الدولية للمدارس من أجل السلام. ورحب الأب الأقدس في كلمته بالجميع شاكرا إياهم على تلبيتهم بحماسة للدعوة إلى المشاركة في هذه المبادرة. ثم أراد تهنئة الطلاب والمربين على برنامج التنشئة الثري الذي يتبعونه والذي سيُختتم بمسيرة بيروجا أسيسي في شهر أيار مايو القادم حيث سيتمكنون من تقديم نتائج عملهم ومقترحاتهم. وتحدث الأب الأقدس في هذا السياق عن أسيزي مشيرا إلى أنها قد أصبحت مركزا عالميا لتعزيز السلام، وذلك بفضل الشخصية الكاريزمية لشاب المدينة الذي يحمل اسم فرنسيس الذي ترك عائلته والغنى ليتبع الرب واختار الفقر. وتابع البابا فرنسيس أن هذا الشاب الحالم يظل حتى اليوم ينبوع الهام فيما يتعلق بالسلام والأخوّة ومحبة الفقراء، الإيكولوجيا والاقتصاد، وأضاف قداسته أن القديس فرنسيس قد أثار إعجاب كثيرين من بينهم أنا، قال البابا، حتى أني اخترت أن أحمل اسمه.
وفي حديثه عن البرنامج التربوي المتمحور حول السلام والرعاية قال الأب الأقدس إنه برنامج يسعى إلى الإجابة على الدعوة إلى ميثاق تربوي عالمي والتي وجهها قداسته ثلاث سنوات مضت إلى جميع العاملين في مجال التربية، وذلك كي يكونوا معززين لقيم الرعاية والسلام والعدالة، الخير والجمال والاستقبال. وأعرب قداسة البابا هنا عن سعادته لرؤية استجابة لا فقط المدارس والجامعات والمنظمات الكاثوليكية بل وأيضا مؤسسات عامة وعلمانية ومن ديانات أخرى.
أراد قداسة البابا بعد ذلك التشديد على أنه لا يمكن أن يكون هناك سلام بدون رعاية، وقال إننا غالبا ما نتحدث عن السلام حين نشعر بأننا مهدَّدون بشكل مباشر أمام خطر هجوم نووي او حرب مثلا، وذلك تماما مثلما نهتم بحقوق المهاجرين عندما يكون لدينا قريب أو صديق مهاجر، إلا أن السلام أمر يعنينا دائما كما يعني الآخرين، الأخ والأخت، وعلينا الاهتمام بالأخ والأخت ورعايتهما. وتوقف البابا فرنسيس هنا عند نموذج بامتياز للرعاية والاهتمام أي السامري الصالح الذي أسعف شخصا مجهولا رآه جريحا على الطريق. وقال البابا إن السامري لم يكن يعرف إن كان هذا الجريح شخصا جيدا أم سيئا، غنيا أم فقيرا، متعلما أم جاهلا، عبرانيا أم سامريا مثله أم غريبا، ولم يكن يعرف إن كان قد تسبب الجريح فيما حدث له أم لا، فالإنجيل يقول “رآه فأشفق عليه”. وكان آخرون قد رأوا هذا الرجل الجريح قبل السامري الصالح لكنهم واصلوا سيرهم، السامري لم يطرح تساؤلات في المقابل حيث اتبع درب الشفقة.
وواصل البابا فرنسيس مشيرا إلى أن بإمكاننا في زمننا أيضا أن نجد شهادات جيدة لأشخاص أو مؤسسات يعملون من أجل السلام ويعتنون بمن هم في عوز. وأشار الأب الأقدس على سبيل المثال إلى الحائزين على جائزة نوبل للسلام وأيضا إلى كثيرين آخرين غير معروفين يعملون في صمت. ثم أراد الحديث عن شاهدين، الأول هو البابا يوحنا الثالث والعشرون الذي عُرف أيضا ببابا السلام والذي نشر الرسالة العامة النبوية Pacem in terris (السلام في الأرض) وذلك في بداية ستينيات القرن العشرين، فترة طبعتها توترات قوية ما بين بناء جدار برلين وأزمة كوبا والحرب الباردة والتهديد النووي. وتابع البابا فرنسيس أن العام القادم سيمر ٦٠ عاما على هذه الوثيقة التي تظل آنية والتي يتوجه فيها البابا يوحنا السادس والعشرون إلى جميع الأشخاص ذوي الإرادة الطيبة سائلا إياهم البحث عن حل سلمي لكل الحروب من خلال الحوار ونزع السلاح. وقد قوبل هذا النداء باهتمام كبير في العالم تجاوز الجماعة المسيحية، وذلك لأنه مس احتياجا للبشرية بأسرها لا يزال قائما اليوم. ودعا قداسة البابا ضيوفه الصغار إلى قراءة هذه الرسالة العامة وإلى السير على هذه الدرب من أجل الدفاع عن السلام ونشره.
ثم تحدث البابا فرنسيس عن الشاهد الثاني فأشار إلى أنه بعد أشهر قليلة من صدور الرسالة العامة للبابا يوحنا السادس والعشرين نطق مارتن لوثر كينغ بحديثه الشهير الذي يتضمن جملته “لدي حلم”. وتابع الأب الأقدس أن مارتن لوثر كينغ، وفي الولايات المتحدة التي طبعها بقوة في تلك الفترة التمييز العنصري، قد جعل الجميع يحلمون بفكرة عالم من العدالة والحرية والمساواة. وذكَّر البابا بحديث مارتن لوثر كينغ عن حلمه بأن يعيش أبناؤه الأربعة يوما ما في أمة لا يعامَلون فيها على أساس لون بشرتهم بل انطلاقا من كرامتهم كأشخاص.
وانطلاقا من هذه الكلمات وجه البابا فرنسيس سؤالا إلى الفتية الحاضرين حول عالم اليوم والغد الذي يحلمون به، وشجعهم على الأحلام الكبيرة مثل البابا يوحنا السادس والعشرين ومارتن لوثر كينغ، ودعاهم في هذا السياق إلى المشاركة في اليوم العالمي القادم للشباب في لشبونة. وقال إن مَن سيمكنه المشاركة سيتمكن من لقاء الكثير من الشبان والشابات من جميع أنحاء العالم حيث يوحد الجميعَ حلم الأخوّة القائمة على الإيمان بالله الذي هو السلام. ومَن لن يتمكن من الحضور دعاه الأب الأقدس إلى المشاركة في هذا الحدث عبر ما توفر الوسائل الحديثة من إمكانيات.
وفي ختام كلمته إلى الطلاب والمدرسين المشاركين في لقاء يتمحور حول التربية على السلام والرعاية، تنظمه الشبكة الدولية للمدارس من أجل السلام، أعرب البابا فرنسيس لضيوفه عن الرجاء في زمن مجيء جيد، وتمنى لهم مسيرة في هذا الزمن مكوَّنة من أفعال سلام صغيرة كثيرة وذلك بشكل يومي، أفعال استقبال ولقاء وتفاهم، قرب ومغفرة وخدمة، أفعال تنطلق من القلب كخطوات نحو بيت لحم، نحو يسوع سلطان السلام بل السلام ذاته.