ترأس قداسة البابا فرنسيس قداس ليلة عيد الميلاد في بازيليك القديس بطرس، وألقى عظة استهلها بالقول:”لقَد ظَهَرَت نِعمَةُ الله، يَنبوعُ الخَلاصِ لِجَميعِ النَّاس” تُظهر كلمات الرسول بولس سرّ هذه الليلة المقدّسة: لقد ظهرت نعمة الله وهديّته المجانيّة وفي الطفل الذي أُعطي لنا تُصبح ملموسةً محبّة الله لنا.
تابع البابا فرنسيس يقول إنها ليلة مجد، ذاك المجد الذي أعلنه الملائكة في بيت لحم وعندنا اليوم أيضًا في العالم كلّه. إنها ليلة فرح لأنّه منذ الآن وإلى الأبد الله الأزلي هو الله معنا: ليس بعيدًا ولا ينبغي علينا أن نبحث عنه في الأفلاك السماويّة أو في فكرة صوفيّة؛ إنّه قريب وصار إنسانًا ولن يتعب أبدًا من إنسانيّتنا التي اتّخذها له. إنها ليلة نور: ذاك النور الذي تنبّأ عنه أشعيا بأنّه سيُضيء على من يسلك في أرض مظلمة وأشرق حول رعاة بيت لحم.
أضاف الحبر الأعظم يقول اكتشف الرعاة ببساطة أنّه “قد وُلدَ لَنا وَلَدٌ” وفهموا أن هذا المجد كلّه وهذا الفرح وهذا النور يتمركزون في نقطة واحدة، في تلك العلامة التي أشار الملاك بها إليهم: “سَتَجِدونَ طِفلاً مُقَمَّطًا مُضجَعًا في مِذوَد”. هذه هي دائمًا العلامة لإيجاد يسوع، وإن أردنا أن نحتفل بعيد الميلاد الحقيقيّ فلنتأمّل بهذه العلامة: بساطة المولود الحديث، ووداعة كونه مُضجعًا وحنان القِمَاط التي تلفُّه. هناك نجد الله.
تابع الأب الأقدس يقول بهذه العلامة يُظهر لنا الإنجيل تناقضًا: يتحدّث عن الإمبراطور والحاكم وعظماء ذاك الزمن ولكن الله لا يحضر هناك؛ ولا يظهر في قاعة قصر ملكيٍّ وإنما في فقر إسطبل؛ لا في بهاء المظاهر بل في بساطة الحياة، لا في السلطة وإنما في صِغرٍ يُذهل. ولكي نلتقي به ينبغي علينا أن نذهب إليه حيث هو: علينا أن ننحني ونتنازل ونصبح صغارًا. إن الطفل الذي يولد يسائلنا: يدعونا لنترك أوهام الزائل لنهتمّ بالجوهري، ولنتخلّى عن متطلباتنا التي لا يمكن إشباعها ونترك التضجُّر والحزن الدائمين من أجل أمر سينقصنا على الدوام. سيساعدنا جدًّا أن نترك هذه الأمور لنجد في بساطة الله-الطفل السلام والفرح ومعنى الحياة.
أضاف البابا فرنسيس يقول لنسمح للطفل الذي في المذود أن يسائلنا ولكن لنسمح أن يسائلنا أيضًا أطفال اليوم الذين لا يضّجعون في مهد ويغمرهم حنان أم وأب وإنما يرقدون في مذود كرامة قذر: في ملجأ تحت الأرض ليهربوا من القصف وعلى رصيف مدينة كبيرة أو في قعر قارب محمّلٍ بالمهاجرين. لنسمح أن يسائلنا الأطفال الذين لا يُسمح لهم أن يولدوا والذين يبكون لأنه ما من أحد ليشبع جوعهم والذين لا يحملون ألعابًا في أيديهم بل أسلحة.
تابع الحبر الأعظم يقول إن سرّ الميلاد الذي هو نور وفرح يُسائلنا ويهزّنا لأنّه في الوقت عينه سرّ رجاء وحزن. يحمل في ذاته طعم الحزن، طالما لا يتمُّ قبول الحب ويتم تهميش الحياة. هذا ما حصل مع مريم ويوسف اللذان وجدا جميع الأبواب مغلقة ووضعا يسوع في مذود لأنه “لم يَكُن لَهُما مَوضِعٌ في المَضافة”. ولد يسوع مرفوضًا من البعض وفي لا مبالاة الأكثريّة. نجد اليوم أيضًا هذه اللامبالاة عينها، عندما يصبح الميلاد عيدًا نكون نحن رواده ولا الله؛ عندما تُظلل أنوار التجارة نور الله وعندما ننهمك في الهدايا ونبقى لامبالين إزاء المهمّشين.
أضاف البابا فرنسيس يقول لكن الميلاد يتحلّى بشكل خاص بطعم الرجاء، لأنّ نور الله يسطع بالرغم من ظلماتنا. نوره اللطيف لا يخيف؛ الله، الذي يحبنا، يجذبنا بحنانه بولادته فقيرًا وضعيفًا في وسطنا كواحد منا. يولد في بيت لحم الذي معناها بيت الخبز. يبدو وكأنّه يريد أن يقول لنا إنّه يولد كخبزٍ لنا، ويأتي إلى الحياة ليهبنا الحياة وإلى عالمنا ليحمل لنا محبّته. لا يأتي لينهش ويأمر وإنما ليغذّي ويخدم. فنجد هكذا خيطًا مباشرًا بين المذود والصليب حيث سيصبح يسوع خبزًا مكسورًا: إنه الخيط المباشر للمحبّة التي تبذل ذاتها وتخلّصنا والتي تهب النور لحياتنا والسلام لقلوبنا.
تابع الحبر الأعظم يقول في تلك الليلة فهم هذا الأمرَ الرعاةُ؛ هم الذين كانوا من بين مهمشّي ذلك الزمن. ولكن ما من أحد مهمّش في عيني الله، لا بل هو يدعو المهمّشين بشكل خاص إلى الميلاد. فمن كان واثقًا من نفسه ومكتفٍ، بقيَ في بيته منهمكًا في أموره، أما الرعاة “فجاؤوا مُسرعين”. لنسمح نحن أيضًا في هذه الليلة أن يُسائلنا يسوع ويدعونا ولنذهب إليه بثقة. لنسمح للحنان الذي يخلّص أن يلمسنا. لنقترب من الله الذي يقترب منا ولنتوقّف للتأمل في المغارة متخيّلين ولادة يسوع: النور والسلام والفقر المدقع والرفض. لندخل في الميلاد الحقيقي مع الرعاة ولنحمل ليسوع ما نحن عليه: تهميشنا وجراحنا غير المُلتئمة. فنتذوق في يسوع روح الميلاد الحقيقي: جمال أن نكون محبوبين من الله. نقف مع مريم ويوسف أمام المذود وأمام يسوع الذي يولد كخبز لحياتنا. وإذ نتأمّل بمحبّته المتواضعة واللامتناهية لنشكره لأنه فعل هذا كلّه من أجلنا.
إذاعة الفاتيكان
الرئيسية | أخبار الكنيسة | البابا فرنسيس: لندخل في الميلاد الحقيقي مع الرعاة ولنحمل ليسوع ما نحن عليه
الوسوم :البابا فرنسيس: لندخل في الميلاد الحقيقي مع الرعاة ولنحمل ليسوع ما نحن عليه