أجرى قداسة البابا فرنسيس مقابلته العامة مع المؤمنين في ساحة القديس بطرس واستهل تعليمه الأسبوعي بالقول نخصص تعليم اليوم لعمل رحمة نعرفه جميعنا جيّدًا ولكن ربما لا نطبّقه كما يجب: احتمال الأشخاص المزعجين بصبر. جميعنا قادرين على تحديد حضور مزعج: يحصل هذا عندما نلتقي بشخص في الطريق، أو عندما تردنا مكالمة هاتفيّة… نفكّر فورًا: “كم من الوقت بعد ينبغي علي أن أصغي إلى تذمُّر وثرثرة وطلبات أو تبجُّح هذا الشخص؟ ويحصل أيضًا أحيانًا أن الأشخاص المزعجين هم أولئك الأقرب إلينا: هناك على الدوام أحدهم بين الأقارب؛ كما نجدهم أيضًا في مكان العمل ومكان الترفيه. فماذا ينبغي علينا أن نفعل مع الأشخاص المزعجين؟ ولكن قد نكون نحن أيضًا أحيانًا مصدر إزعاج للآخرين، فلماذا أُدرج هذا العمل أيضًا بين أعمال الرحمة؟
تابع الأب الأقدس يقول نرى في الكتاب المقدّس أن الله نفسه يستعمل الرحمة ليحتمل تذمُّر شعبه. على سبيل المثال في سفر الخروج نرى أن الشعب لا يُحتمل فعلاً: يبكي أولاً لأنه مُستعبد في مصر، فيحرِّره الله؛ ومن ثمَّ يتذمّر في الصحراء بسبب غياب الطعام فيرسل له الله المنَّ والسلوى وبالرغم من ذلك لا يكف عن التذمُّر. لقد كان موسى الوسيط بين الله والشعب وربما هو أيضًا قد شكّل أحيانًا سبب إزعاج للرب. لكن الله قد صبر وعلّم هكذا موسى والشعب أيضًا هذا البعد الجوهري من الإيمان.
وبالتالي أضاف الحبر الأعظم يقول يأتي أول سؤال عفويّ: هل نقوم أبدًا بفحص ضمير لنرى عن كنا نحن أيضًا نزعج الآخرين أحيانًا؟ من السهل أن نوجّه الإصبع على ضعف ونواقص الآخرين ولكن ينبغي علينا أن نتعلّم أن نضع أنفسنا مكان الآخرين. لننظر إلى يسوع: ما أكبر الصبر الذي تحلّى به خلال السنوات الثلاثة لحياته العلنيّة! في إحدى المرات وفيما كان يسير مع التلاميذ دنت إليه أم يعقوب ويوحنا وقالت له: “مُرْ أَن يَجلِسَ ابنايَ هذانِ أَحدُهما عن يَمينِكَ والآخَرُ عَن شِمالِكَ في مَلَكوتِكَ” (متى 20، 21). وحتى من تلك الحالة ينطلق يسوع ليعطي تعليمًا جوهريًّا: ملكوته ليس ملكوت سلطة ومجد وإنما ملكوت خدمة وبذل ذات في سبيل الآخرين. يعلّمنا يسوع أن نذهب دائمًا إلى الجوهري وننظر أبعد لكي نأخذ مهمّتنا بمسؤوليّة على عاتقنا. يمكننا أن نرى هنا التذكير بعملَي رحمة روحيَّين: نحذّر الخاطئ ونعلّم الجاهل. لنفكّر في الالتزام الذي يُطلب منا عندما نساعد الأشخاص للنمو في الإيمان والحياة. أفكّر، على سبيل المثال، بأساتذة التعليم المسيحي – من بينهم العديد من الأمهات والراهبات – الذين يكرسون الوقت من أجل تعليم الأولاد عناصر الإيمان الأساسيّة. كم من التعب، لاسيما وأن الأولاد يفضّلون اللعب على الإصغاء للتعليم!
تابع البابا فرنسيس يقول إن المرافقة في البحث عن الجوهريّ لجميلة ومهمّة لأنها تجعلنا نتقاسم فرح تذوّق معنى الحياة. غالبًا ما نلتقي بأشخاص يتوقّفون فقط عند الأمور السطحيّة والزائلة؛ أحيانًا لأنّهم لم يلتقوا أبدًا بشخص يُحفِّزهم على البحث عن شيء آخر وتقدير الكنوز الحقيقيّة. أن نعلِّم الآخرين على النظر إلى الجوهري هو مساعدة قاطعة لاسيما في زمنٍ كزمننا يبدو وكأنّه قد فقد توجّهه ويتبع إشباع حاجات قصيرة المدى. أن نعلّم اكتشاف ما يريده الربُّ منا وكيفيّة الإجابة عليه يعني أن نضع الآخرين على الدرب كي ينموا كلٌّ في دعوته، درب الفرح الحقيقي. هكذا تشير كلمات يسوع لأم يعقوب ويوحنا ولمجموعة التلاميذ أيضًا إلى الدرب لتحاشي الوقوع في الحسد والشهوة والتملُّق، تجارب تشكّل على الدوام فخًّا حتى فيما بيننا نحن المسيحيين.
وختم البابا فرنسيس تعليمه الأسبوعي بالقول لا ينبغي على واجب النصح والتحذير والتعليم أن يجعلنا نشعر بأننا أفضل من الآخرين وإنما ينبغي أن يجبرنا أولاً على العودة إلى ذواتنا لنتأكّد إن كنا صادقين مع ما نطلبه من الآخرين. لا ننسينَّ أبدًا كلمات يسوع: “لِماذا تَنظُرُ إِلى القَذى الَّذي في عَينِ أَخيكَ؟ والخَشَبَةُ الّتي في عَينِكَ أَفَلا تأبَهُ لَها؟” (لوقا 6، 41). ليساعدنا الروح القدس كي نكون صبورين في الاحتمال ومتواضعين وبسطاء في النُّصح.
إذاعة الفاتيكان
الرئيسية | أخبار الكنيسة | البابا فرنسيس: ليساعدنا الروح القدس كي نكون صبورين في الاحتمال ومتواضعين وبسطاء في النُّصح
الوسوم :البابا فرنسيس: ليساعدنا الروح القدس كي نكون صبورين في الاحتمال ومتواضعين وبسطاء في النُّصح