“لكي ينمو ملكوت الله يطلب الرب منا جميعًا أن نتحلّى بالطاعة” هذه هي الدعوة التي وجّهها قداسة البابا فرنسيس في عظته مترئسًا القداس الإلهي في كابلة بيت القديسة مرتا بالفاتيكان وحذّر الأب الأقدس المؤمنين من التركيز على الهيكليات والمخططات التنظيميّة، لأن ملكوت الله ليس “جامدًا يراوح مكانه” وإنما هو في مسيرة.
قال البابا فرنسيس: طوبى للذين يسلكون في شريعة الرب، استهل الأب الأقدس عظته انطلاقًا من المزمور الـ 128 الذي تقدّمه لنا الليتورجيّة اليوم ليؤكِّد في تأمّله الصباحي أننا لا ندرس فقط شريعة الرب وإنما نسلكها أيضًا، لأن الشريعة هي حياة وقد أُعطيت لتساعدنا في بناء الملكوت، واليوم يقول لنا الرب إن الملكوت هو في مسيرة أيضًا.
تابع الأب الأقدس متسائلاً: ما هو ملكوت الله؟ هل هو هيكليّة أو مخطط تنظيميّ وكل ما لا يتطابق معهما لا يمكنه أن يدخل إلى ملكوت الله؟ لا! ملكوت الله هو كالشريعة، وما يُطبّق على الشريعة يُطبق على الملكوت أيضًا وبالتالي فهو لا يقبل أيضًا القساوة والتشدُّد… الشريعة هي لنسلك بحسبها وملكوت الله هو في مسيرة أيضًا، هو لا يراوح مكانه لا بل يمكننا القول أن ملكوت الله يُبنى يومًا بعد يوم.
أضاف الحبر الأعظم يقول في الإنجيل الذي تقدّمه لنا الليتورجية اليوم من القديس لوقا يتحدث يسوع في الأمثال التي يعطيها عن أمور الحياة اليوميّة: الخميرة التي لا تبقى خميرة إلى الأبد لأنها في النهاية ستمتزج بالدقيق حتى يختمر كلّه وبالتالي تنطلق في المسيرة لتصبح خبزًا. ومن ثمّ حبّة الخردل التي لا تبقى حبّة لأنها تموت وتعطي الحياة لشجرة تُعَشِّشُ طُيورُ ٱلسَّماءِ في أَغصانِها. الخميرة وحبّة الخردل، تابع البابا يقول، هما في مسيرة لتصبحا شيئًا آخرًا ولذلك تموتان؛ وبالتالي فالمشكلة ليست في الصغر وإنما في المسيرة لأن التحوّل يتمُّ خلال المسيرة.
تابع الأب الأقدس يقول إن الذي يرى الشريعة ولا يسلك بحسبها هو شخص “جامد يراوح مكانه” وموقفه هو موقف قساوة وتشدُّد. لكن ما هو الموقف الذي يطلبه الرب منا كي ينمو ملكوت الله ويصبح خبزًا ومسكنًا للجميع؟ الطاعة! إن ملكوت الله ينمو بالطاعة لقوّة الروح القدس. فالدقيق يتخلّى عن كونه دقيقًا ليصبح خبزًا لأنه أطاع قوّة الخميرة، وهكذا الخميرة أيضًا تسمح بأن تُعجن مع الدقيق… ليس لأن للدقيق أحاسيس أو أن هناك ألم في هذا الاستسلام للعجن، لا! ولكن الملكوت ينمو أيضًا بهذه الطريقة ليصبح وجبة للجميع.
أضاف الحبر الأعظم يقول الدقيق يطيع الخميرة فينمو، وهكذا أيضًا ملكوت الله. فالرجل أو المرأة إن أطاعا الروح القدس ينموان ويصبحان عطيّة للجميع. حبّة الخردل قد أطاعت لتُصبح خصبة، وفقدت كينونتها لتصبح شيئًا آخرًا وأكبر: لقد تحوّلت. وهكذا أيضًا ملكوت الله: هو في مسيرة، في مسيرة نحو الرجاء وفي مسيرة نحو الملء. إن ملكوت الله يُبنى يوميًّا بالطاعة للروح القدس الذي يجمع صِغر خميرتنا أو حبّة الخردل الصغيرة بقوّته ويحوّلهما لينموَا. أما عن لم نسِر فنصبح قساة والقساوة تجعلنا يتامى بدون أب، لأنّ القاسي ليس لديه أب أبدًا وإنما أسياد فقط؛ وملكوت الله هو كأم خصبة تنمو وتبذل ذاتها لكي يكون لأبنائها القوت والسكن.
وختم البابا فرنسيس عظته بالقول اليوم هو يوم لنطلب نعمة الطاعة للروح القدس. غالبًا ما نكون طائعين لنزواتنا وأحكامنا، ولكن بهذه الطريقة لن ينمو ملكوت الله ولن ننمو نحن أيضًا. إن الطاعة للروح القدس هي التي ستجعلنا ننمو ونتحول كالخميرة وحبّة الخردل. ليمنحنا الرب جميعًا نعمة الطاعة هذه!
إذاعة الفاتيكان