“بعماده يُظهر لنا يسوع أن عدالة الله الحقيقية هي الرحمة التي تُخلِّص، والمحبة التي تشاركنا حالتنا البشريّة، وتقترب وتتضامن مع ألمنا، وتدخل في ظلامنا لتعيد إليه النور” هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في كلمته قبل تلاوة صلاة التبشير الملائكي
تلا قداسة البابا فرنسيس ظهر اليوم الأحد صلاة التبشير الملائكي مع المؤمنين المحتشدين في ساحة القديس بطرس وقبل الصلاة ألقى الأب الأقدس كلمة قال فيها نحتفل اليوم بعيد معمودية الرب، ويقدم لنا الإنجيل مشهدًا مذهلاً: إنها المرة الأولى التي يظهر فيها يسوع علانيّةً بعد حياته الخفية في الناصرة؛ يصل إلى ضفة نهر الأردن ليعتمد عن يدِ يوحنا. لقد كان طقسًا يتوب من خلاله الناس ويلتزموا بالارتداد؛ تقول إحدى الترانيم الليتورجية أن الناس كانوا يذهبون للاعتماد بـ “نفوس عارية وأقدام حافية”، أي بتواضع وقلب صافٍ. لكن، إذ نرى يسوع يختلط بالخطأة، نندهش ونتساءل: لماذا اتخذ هذا الخيار، هو قدوس الله، ابن الله بدون خطيئة؟ نجد الإجابة في الكلمات التي وجهها يسوع إلى يوحنا: “دَعْني الآنَ وما أُريد، فهكذا يَحسُنُ بِنا أَن نُتِمَّ كُلَّ بِرّ”. تتميم كل برّ: ما معنى هذا الأمر؟
تابع البابا فرنسيس يقول بعماده، يكشف لنا يسوع عدالة وبرَّ الله الذي جاء ليحمله إلى العالم. غالبًا ما تكون لدينا فكرة ضيقة عن العدالة ونعتقد أنها تعني: من يرتكب خطأ يدفع الثمن وهكذا يرضي الخطأ الذي ارتكبه. لكن عدالة الله، كما يعلّم الكتاب المقدس، هي أعظم بكثير: وهدفها ليس إدانة المذنب، بل خلاصه وولادته الجديدة وتبريره. إنها عدالة تنبع من الحب، من أحشاء الشفقة والرحمة التي هي قلب الله، الآب الذي يتأثر عندما يضطهدنا الشر ونقع تحت وطأة الخطايا والضعف. لذلك، فإن عدالة الله لا تريد أن توزع العقوبات والقصاصات، ولكنها، كما يؤكد القديس بولس الرسول، تقوم على تبريرنا نحن أبناءه، وتحريرنا من حبال الشر، وشفائنا، وإنهاضنا مجدّدًا. عندها نفهم أن يسوع، على ضفاف نهر الأردن، يكشف لنا معنى رسالته: لقد جاء لكي يحقق العدالة الإلهيّة، التي هي خلاص الخطأة؛ لقد جاء لكي يأخذ على كتفيه خطيئة العالم وينزل إلى مياه الهاوية والموت، لكي ينقذنا فلا نغرق. هو يُظهر لنا أن عدالة الله الحقيقية هي الرحمة التي تُخلِّص، والمحبة التي تشاركنا حالتنا البشريّة، وتقترب وتتضامن مع ألمنا، وتدخل في ظلامنا لتعيد إليه النور.
أضاف الحبر الأعظم يقول لقد أكد بندكتس السادس عشر أن “الله أراد أن يُخلِّصنا بذهابه إلى أعماق هاوية الموت، لكي يتمكن كل إنسان، حتى الذين سقطوا إلى درجة لم تعد تسمح لهم بروية السماء، من أن يجد يد الله لكي يتشبث بها، ويخرج من الظلمة ليرى مجدّدًا النور الذي خُلق من أجله”.
وختم البابا فرنسيس كلمته قبل تلاوة صلاة التبشير الملائكي بالقول أيها الإخوة والأخوات، نحن أيضًا، تلاميذ يسوع، مدعوون لكي نمارس العدالة بهذه الطريقة، في العلاقات مع الآخرين، في الكنيسة وفي المجتمع: ليس بقساوة الذين يدينون ويحكمون ويقسِّمون الأشخاص إلى صالحين وأشرار، بل برحمة الذين يقبلون ويشاركون في جراح وهشاشة الأخوات والإخوة لكي يرفعوهم. سأقولها على هذا النحو: ليس بالتقسيم، وإنما بالمشاركة. لا تقسِّموا بل شاركوا. لنفعل مثل يسوع: لنشارك، ونحمل أعباء بعضنا البعض، ولننظر إلى بعضنا البعض بشفقة، ولنساعد بعضنا البعض. ولنسأل أنفسنا: هل أنا شخص يقسِّم أم يشارك؟ والآن لنرفع صلاتنا إلى العذراء مريم، التي ولدت يسوع، وجعلته يغوص في هشاشتنا لكي تكون لنا الحياة مجدّدًا.