توجّه قداسة البابا فرنسيس إلى مدينة أسيزي للمشاركة في لقاء الصلاة من أجل السلام الذي يُعقد في المدينة الإيطاليّة بعد مرور ثلاثين سنة على اللقاء التاريخي الذي دعا إليه القديس يوحنا بولس الثاني عام 1986. وصل الأب الأقدس إلى أسيزي في تمام الساعة الحادية عشرة والنصف حيث كان باستقباله أسقف أسيزي –نوشيرا أومبرا المطران دومينيكو سورينتينو والسلطات المحليّة وممثلون عن الكنائس والديانات العالميّة، وبعد أن حيا الحبر الأعظم جميع الحاضرين بشكل فردي توجّه الجميع إلى دير الرهبان الفرنسيسكان حيث تناولوا طعام الغداء مع عدد من اللاجئين.
وعند العصر توجّه البابا فرنسيس مع ممثلي الديانات المسيحيّة إلى بازيليك القديس فرنسيس السفلى حيث احتفلوا بصلاة مسكونيّة، وللمناسبة ألقى الأب الأقدس تأملاً قال فيه أمام يسوع المصلوب يتردّد لنا أيضًا صدى كلماته “أنا عطشان”. يشكل العطش، أكثر من الجوع، الحاجة القصوى للكائن البشري ويمثل أيضًا بؤسه الأكبر. هكذا نتأمّل سرّ الله العلي الذي رحمة بنا صار بائسًا بين البشر.
تابع الأب الأقدس يقول إلى ماذا يعطش الرب؟ بالتأكيد إلى الماء، العنصر الأساسي للحياة. ولكن وبشكل خاص للمحبّة، العنصر الأقل أهميّة للعيش. يظمأ ليعطينا ماء محبّته المحيي وإنما أيضًا لينال محبّتنا. لقد عبّر النبي إرميا عن سرور الله بمحبّتنا: “أذكُرُ مَوَدَّتَك في صِباك، وحبَّك يومَ خطْبَتِك” ولكنه أيضًا أعطى صوتًا للألم الإلهي عندما ترك الإنسان الناكر الجميل محبّته – ويبدو أن الرب يقوله اليوم أيضًا – “ترَكوني أنا ينبوعُ المياهِ الحيَّةِ وحفروا لهُم آبارًا مُشَقَّقةً لا تُمسِكُ الماءَ”. إنها مأساة القلب القاسي والمحبة غير المتبادلة، مأساة تتجدّد في الإنجيل عندما يجيب الإنسان على عطش يسوع بالخل الذي هو خمر فاسد. كما كان صاحب المزمور يتشكى بشكل نبوي: “سقوني في عطشي خلاً”.
أضاف الحبر الأعظم يقول “إن الحب ليس محبوبًا”: بحسب بعض الروايات شكل هذا الأمر الواقع الذي كان يُقلق القديس فرنسيس الأسيزي. هو الذي، محبّة بالرب المتألّم، لم يكن يخجل من أن يبكي ويتأفف بصوت عال. وبالتالي ينبغي على هذا الواقع أن يلمس قلبنا خلال تأمّلنا بالله المصلوب الذي يظمأ للحب. لقد أرادت الأم تريزا دي كالكوتا أن يُكتب في كل كابلة من كابلات جماعاتها بالقرب من المصلوب جملة “أنا عطشان”، وقد كان جوابها لإرواء عطش يسوع المصلوب للمحبة من خلال خدمتها لأفقر الفقراء. في الواقع، إن الرب يرتوي من محبتنا الشفوقة، ويتعزى عندما ننحني باسمه على بؤس الآخرين. وفي الدينونة سيدعو “مُباركين” جميع الذين أسقوا العطاش وقاموا بأفعال محبّة ملموسة تجاه المعوزين: “كُلَّما صَنعتُم شَيئاً مِن ذلك لِواحِدٍ مِن إِخوتي هؤُلاءِ الصِّغار، فلي قد صَنَعتُموه”.
تابع البابا فرنسيس يقول إن كلمات يسوع تُسائلنا وتطلب قبولاً في القلب وجوابًا بواسطة الحياة. في قوله “أنا عطشان” يمكننا أن نسمع صوت المتألمين والصرخة الخفيّة للصغار الأبرياء الذين حُرموا من نور هذا العالم، والتضرّع النابع من القلب للفقراء والمعوزين للسلام. يتوسّل السلام ضحايا الحروب التي تلوّث الشعوب بالكراهية والأرض بالأسلحة؛ يتوسّل السلام إخوتنا وأخواتنا الذين يعيشون تحت تهديد القصف أو يجبرون على ترك بيوتهم والهجرة نحو المجهول. جميع هؤلاء هم إخوة وأخوات المصلوب وصغار ملكوته، أعضاء جسده المجروحة. هم عطاش، ولكن غالبًا ما يُقدّم لهم، على مثال يسوع، خل الرفض المُرّ. من يُصغي إليهم؟ من يهتمّ ليجيب عليهم؟
أضاف الحبر الأعظم يقول أمام المسيح المصلوب “قدرة الله وحكمته” (1 كور 1، 24)، نحن المسيحيين مدعوون لنتأمَّل في سرّ المحبّة غير المحبوبة ونسكُب الرحمة على العالم. على الصليب، شجرة الحياة، تحوَّل الشرّ إلى خير؛ ونحن أيضًا، تلاميذ المصلوب، مدعوون لنكون “أشجار حياة” تمتصُّ “تلوُّث” اللامبالاة وتعيد إلى العالم “أكسيجين” المحبّة.
وختم البابا فرنسيس تأمّله بالقول على مثال مريم عند أقدام الصليب، ليمنحنا الرب أن نتّحد بالمتألّمين ونكون بقربهم. وإذ نقترب من جميع الذين يعيشون اليوم مصلوبين ويستقون قوّة المحبّة من المصلوب سينمو التناغم والشركة أكثر فأكثر فيما بيننا. “إنه سلامنا” (أفس 2، 14)، وقد جاء ليعلن السلام للقريبين والبعيدين؛ ليحفظنا إذًا جميعًا في المحبّة وليجمعنا في الوحدة لكي نصبح “واحدًا” بحسب رغبته.
إذاعة الفاتيكان
الرئيسية | أخبار الكنيسة | البابا فرنسيس: نحن مدعوون لنكون “أشجار حياة” تمتصُّ “تلوُّث” اللامبالاة وتعيد إلى العالم “أكسيجين” المحبّة