في إطار مبادرة “Building Bridges” أجرى البابا فرنسيس حوارا، هو الثالث في هذه المبادرة، مع شباب الجامعات الكاثوليكية في آسيا. وتوقف قداسته، وانطلاقا من أسئلة الشباب وشهاداتهم، عند مواضيع عديدة.
أجرى قداسة البابا فرنسيس بعد ظهر الثلاثاء ٢٦ أيلول سبتمبر حوارا عبر الشبكة مع مجموعة من طلاب الجامعات الكاثوليكية في آسيا، وذلك في إطار مبادرة “Building Bridges” (بناء جسور) التي أطلقتها اللجنة الحبرية لأمريكا اللاتينية وجامعة لويولا في شيكاغو. وقد تحدث خلال اللقاء، وهو الثالث في إطار المبادرة المذكورة، بعض المشاركين من دول يشكل المسيحيون فيها أقلية فأكدوا حلم الشباب بمستقبل أفضل كما وأشاروا إلى المصاعب أمام ممارسةٍ حرة للإيمان. وعقب استماعه إلى هذه الأفكار قال الأب الأقدس إن هذه شهادات لمست قلبه، وأضاف أنه يعود بفكره إلى آسيا بيبي الباكستانية الضحية البريئة لتعصُّب ينتج عن الخوف من الاختلاف ويسفر عن تمييز يناقض الأخوّة. وأضاف البابا أن هذا يَنتج عن اختزال القيم الاجتماعية إلى مجرد أفكار، ومَن لا يفكر مثلي اعتبره مذنبا، ووصف قداسته هذا بانتحار اجتماعي.
وتابع الأب الأقدس متحدثا عن العلمنة المنتشرة فقال إن الإجابة عليها تكمن في الشهادة انطلاقا من قوة الوعي بأن الله لديه تصميم لنا. كما ودعا البابا الشباب إلى تذكر شجاعة آبائهم الذين اعترفوا بيسوع كمخلص، وأيضا إلى التفكير في إمكانية العيش بوجهات نظر مختلفة ولكن مع مد الأيادي، وشدد قداسته على أن المغفرة والأيادي الممدودة والشهادة تضمن النمو للجميع.
وانطلاقا من سؤال لفتاة مهاجرة توقف البابا فرنسيس عند الخوف من فقدان الهوية الثقافية والدينية، فقال إن من الضروري السعي إلى التفاهم مع الآخرين مع التعريف بقناعاتنا. وذكَّر بأن والده كان مهاجرا من إيطاليا إلى الأرجنتين وأكد أن مَن يعيش خارج بلده يبدأ مسيرة جديدة ولكن شرط ألا ينسى جذوره. وأضاف أن أجداده قد نقلوا إليه ثقافة شمال إيطاليا الذي تنحدر منه العائلة كما وكان يتكلم في طفولته بلهجة أجداده ويستمع إلى ما يستمعون إليه من أغانٍ، إلا أنه قام في الوقت ذاته بمسيرته الشخصية. وحذر البابا في سياق حديثه من فقدان الأصول لأن مَن يفقد أصوله يصبح شخصا اصطناعيا، فالجذور هي ما يمنح الشخص نكهة. وأكد قداسته بالتالي أهمية الحفاظ على الرباط الثقافي والسير إلى الأمام في الوقت ذاته بدون فقدان الشجاعة.
ومن بين ما تحدث عنه الشباب المشاركون في اللقاء التنمر الذي ينتشر أيضا عبر شبكات التواصل الاجتماعي ومشكلة الانتحار بين الشباب. وتذكر الأب الأقدس في هذا السياق كيف كان يسخر في طفولته مع رفاق المدرسة من زميل يعاني من السمنة وقال إن والده وحين عرف هذا أجبره على التوجه إلى بيت هذا طفل والاعتذار منه. وقال إنه التقى فيما بعد هذا الزميل والذي توصل إلى تناغم يفوق الجمال الجسدي، وذلك لأنه يكفي أن نرى الجمال في التناغم الداخلي والخارجي أيضا. وتابع البابا قائلا إن سكان القارة الآسيوية يعرفون كيف يخلقون الجمال من الاختلاف، ودعا الشباب بالتالي إلى عدم الاستسلام أمام التوجه نحو جعل كل شيء متجانسا. وعن الانتحار قال البابا فرنسيس إن الشاب الذي يقدِم على الانتحار لم يعد يرى أفقا بل فقط أبوابا مغلقة أمام أحلامه، ومن الضروري مساعدة مثل هؤلاء الشباب لتجاوز مشاعر الفشل. وأضاف أن الله قد وهبنا القدرة على الصمود، ومن الأهمية لا عدم السقوط بل أن نجد مَن يساعدنا على النهوض مجددا.
تطرق الشباب في كلماتهم أيضا إلى تحدي شبكة انترنت في آسيا وأشاروا إلى أهمية محو الأمية المعلوماتية من جهة ومخاطر الشبكة من جهة أخرى. فإلى جانب توفيرها الفرصة لكثيرين للحصول على المعلومات فأن الشبكة قد فاقمت التوترات الدينية والاثنية والاستقطاب السياسي. وتحدث البابا فرنسيس عن ضرورة اللجوء إلى لغات الفكر والقلب والأيادي، كما وشدد على الحاجة إلى الإبداع. وحذر في هذا السياق من الإيديولوجية التي تقلص العقول وتجعل القلوب صغيرة والأيادي مشلولة. تحدث قداسته عن أهمية المساواة في إمكانيات استخدام التقنيات لأن هذا سيجعل الشبكة فسحة أفضل، كما ودعا إلى تفادي المبالغة في التخصص الذي هو مهم ولكن شرط عدم فقدان الرباط مع الكل والتناغم. هذا وأراد البابا فرنسيس في سياق الحديث عن الاتصالات التحذير من خطر أنصاف الحقائق، وشدد على ضرورة أن تُنقل الأنباء بكاملها للجميع وتوقف عند أهمية الأمانة للوقائع. حذر قداسته بالتالي من تحول الأنباء إلى أنباء زائفة وأيضا من استغلالها لمصالح شخصية أو فئوية، كما ودعا الشباب إلى الانطلاق في التواصل من أسلوبهم الخاص.
هذا وكانت الديمقراطية من بين المواضيع التي تم التطرق إليها خلال اللقاء الذي أجراه البابا فرنسيس مع شباب آسيا، وقال قداسته إن الديمقراطية الحقيقية تستدعي الحوار. وأشار في هذا السياق إلى أن الحاجة إلى اتفاق هي جانب إنساني وحذر من لغة التفرقة، وشدد على أنه في حال اختلاف الفكر بين طرفين من الضروري التفكير فيما يمكن التوصل إليه من اتفاق للتمكن من السير قدما، وتحدث قداسته هنا مجددا عن منطق الأيادي الممدودة. أراد قداسته لفت الأنظار أيضا إلى أهمية إخراج ما هو إيجابي في كل كائن بشري.
هذا وتحدث البابا فرنسيس أيضا عن التربية مؤكدا كونها حقا يجب أن يتوفر للجميع، كما أنها تُمَكن كل شخص من الإسهام في خير بلده. وحذر الأب الأقدس هنا من تحويل التربية والتعليم إلى سلعة. وشدد البابا أيضا على كون تعزيز التقدير الذاتي لدى الطلاب أهم ما يجب أن يسعى إليه المربون.