كانت أهمية الثقافة والمعرفة محور حديث البابا فرنسيس خلال استقباله اليوم وفدا من جامعة سولخان سابا أوربيلياني من العاصمة الجورجية تبليسي. وتوقف قداسته في كلمته عند اشتراك المعرفة والإيمان في إنارة الحياة.
استقبل البابا فرنسيس قبل ظهر اليوم الاثنين وفدا من جامعة سولخان سابا أوربيلياني من العاصمة الجورجية تبليسي. وفي بداية كلمته رحب قداسته بضيوفه ما بين أساتذة وطلاب، وهنأ الجميع على بلوغ الجامعة قبل فترة قصيرة عامها العشرين. ثم شكر الأب الأقدس الحضور على هذه الزيارة وأيضا على ما يقومون به حيث يقدمون، حسب ما تابع، مثالا للبحث الثقافي الشغوف والعناية بذلك الخير الذي لا يقدَّر المتمثل في التنشئة الثقافية للشباب. وفي حديثه عن التربية شدد البابا فرنسيس على أن هذا هو ما تقوم به تحديدا، مساعدة الأجيال الشابة على النمو واكتشاف أعمق الجذور والحفاظ عليها كي تحمل الثمار. وأضاف أن هذا يتماشى مع هوية جورجيا كبلد شاب لكنه ذو تاريخ عريق، وأرض مباركة من السماء. وذكَّر الأب الأقدس في هذا السياق بعلاقته ببطريرك الكنيسة الأرثوذكسية في جورجيا البطريرك إيليا، وتحدث عن أنه يذكره في صلاته ويحمل في قلبه اللقاءات التي جمعتهما، وخاصة حين كنا أحدنا إلى جانب الآخر، قال قداسته، في كاتدرائية البطريركية، وذلك خلال زيارة البابا الرسولية إلى جورجيا سنة ٢٠١٦. وأضاف أن هذا اللقاء كان في علامة قميص المسيح الذي يصفه الإنجيل بأنه “مَنسوج كُلُّه مِن أَعلاهُ إِلى أَسفَلِه”، والذي يرمز إلى وحدة الكنيسة، جسد المسيح. وواصل البابا قائلا لضيوفه إن جامعتهم تشكل مثالا من وجهة النظر هذه أيضا، وذلك بفضل التعاون المثمر بين الكاثوليك والأرثوذكس على الصعيد الثقافي والتربوي.
تحدث البابا فرنسيس بعد ذلك عن كون كلمة تربية باللغة الجورجية تأتي من كلمة نور، ما يوحي بالانتقال من ظلام الجهل إلى نور المعرفة. وتابع قائلا للحاضرين إن التربية بالنسبة لهم تعني الخروج إلى النور مرة أخرى وهذا مرادف للتنوير. وأضاف أننا حين نوقد مصباحا في غرفة مظلمة فإن لا شيء يتغير مما هو موجود إلا أن مظهر كل شيء يتغير، وهذا ما تفعله المعرفة التي يتم اكتسابها في جامعتكم، قال البابا، والتي تدعو إلى وضع كرامة الشخص البشري في المركز. وذكَّر الأب الأقدس هنا بأهمية الدراسة من أجل معرفة الذات، وأضاف أن من يريد أن يعرف الله عليه أن يبدأ بمعرفة ذاته حسب ما ذكر راهب قديم.
وواصل البابا فرنسيس حديثه مشيرا إلى الحاجة إلى تنوير المعرفة هذا في عالم تتكاثف فيه ظلمات الكراهية، والتي غالبا ما تنتج عن النسيان واللامبالاة اللذين يجعلان كل شيء يبدو مظلما وغير واضح، بينما تعيد الثقافة والتربية ذكرى التاريخ وتنيران الحاضر. وشدد الأب الأقدس على كون هذا أمرا لا غنى عنه بالنسبة للشباب وللمجتمع، كما وتوقف عند الثقافة الجورجية التي تدعو إلى إبقاء مصباح التربية مضاءً ونافذة الإيمان مفتوحة لينيرا غرف الحياة. وأشار إلى أن أصل كلمة نور في اللغة الجورجية نجده في كلمتَي تربية ومعمودية جامعاً هكذا بين الثقافة والإيمان. ثم تحدث البابا فرنسيس عن تاريخ جورجيا وما شهدت من انتقالات كثيرة من الظلام إلى النور، حيث نجح هذا البلد دائما في النهوض مجددا واستعادة بريقه حتى حين تعرَّض لأكثر من مرة عبر تاريخه إلى الغزو والهيمنة الأجنبية. وتابع قداسته أن شباب جورجيا قد حافظ حتى في أحلك الفترات على روح إيجابية وذلك بفضل الإيمان والثقافة، وأشار البابا في هذا السياق إلى الدور الثمين للكنيسة الكاثوليكية. ثم قال الأب الأقدس لضيوفه إنهم يمثلون استمرارية لهذا الإسهام، وأشاد بأن الجامعة تُنمي ما تقدم الجماعة الكاثوليكية من خدمة في جورجيا كي تكون هذه الجماعة بذرة تأتي بالثمار للجميع.
وفي ختام حديثه شدد البابا فرنسيس على دور الجامعة في خلق فسحات وجسور من أجل خير جورجيا وسكانها، وأضاف أن شعب جورجيا، بدءً من الشباب، يستحق أن تتوفر لديه فرص أوسع، كما وتستحق الأنسنة الجورجية بتفردها وجمالها تثمينا أكبر في الخارج، فكما أن النور لا يوجد كي يُرى بل ليجعل ما حوله مرئيا، فإن الثقافة تفتح الآفاق وتوسع الحدود.