وقال البابا فرنسيس إن الجمع مَن يتوجه إلى يسوع هذه المرة بعد أن توجه هو إليهم وسد احتياجاتهم، إلا أن يسوع لا يكفيه أن يبحث عنه الأشخاص بل يريد أن يعرفوه، يرغب في أن يتجاوز البحث عنه ولقاؤه مجرد التحقيق الفوري للاحتياجات المادية. وتابع قداسته أن يسوع قد جاء ليحمل إلينا ما هو أكثر، ليفتح حياتنا على أفق أوسع مقارنة بالقلق اليومي من أجل المأكل والملبس والمسيرة المهنية وما شابه. ولهذا قال يسوع للجمع “أنتُم تَطلُبونَني، لا لِأَنَّكم رَأَيتُمُ الآيات: بلِ لِأَنَّكم أَكَلتُمُ الخُبزَ وشَبِعتُم” (26)، وهكذا يحفزهم حسب ما واصل الأب الأقدس كي يتقدموا خطوة إلى الامام ويتأملوا في معنى المعجزة، لا أن يكتفوا بالاستفادة منها. وقال البابا إن تكثير الخبز والسمك هو في الواقع علامة الهبة العظيمة التي أعطاها الآب للبشرية، أي يسوع نفسه.
وتابع قداسته أن يسوع، “خبز الحياة” (35) الحقيقي، يربد أن يُشبع لا الأجساد فقط بل والنفوس أيضا، وذلك بالطعام الروحي الذي يسد أكثر الجوع عمقا، ولهذا يدعو الجمع إلى العمل “لا لِلطَّعامِ الَّذي يَفْنى بلِ لِلطَّعامِ الَّذي يَبْقى فَيَصيرُ حَياةً أَبَدِيَّة” (راجع 27). وقال البابا إن هذا الطعام هو ما يهبه يسوع دائما: كلمته، جسده ودمه. إلا أن الجمع لا يفهمون معنى دعوة يسوع، شأن ما يحدث لنا أيضا كثيرا، فيسألونه “ماذا نَعمَلُ لِنَقومَ بِأَعمالِ الله؟ (28). وتوقف قداسة البابا هنا عند اعتقاد الجمع أن يسوع يطلب منهم إطاعة الأوامر للفوز بمعجزات أخرى، وتابع أن هذه تجربة تتكرر، أي اقتصار الدين لمجرد تطبيق الشرائع مطبقين على علاقتنا بالله نموذج العلاقة بين الخادم والسيد، فالخدام عليهم تنفيذ الواجبات التي يفرضها السيد لكسب رضاه. ولهذا، تابع الحبر الأعظم، أراد الجمع من يسوع أن يخبرهم ماذا عليهم ان يفعلوا لينالوا رضا الله، إلا أن إجابته جاءت غير متوقَّعة: “عَمَلُ اللهِ أَن تُؤمِنوا بِمَن أَرسَل” (29). وشدد البابا فرنسيس على أن هذه الكلمات هي موجهة لنا نحن أيضا اليوم، أي أن عمل الله لا يعني عمل الأشياء بل الإيمان بمن أرسله، ويعني هذا، واصل قداسته، أن الإيمان بيسوع يمَكننا من أن نقوم بأعمال الله. وتابع إنه ما أن ندخل علاقة المحبة والثقة هذه مع يسوع، فسنكون قادرين على القيام بأعمال صالحة تحمل رائحة الإنجيل من أجل خير أخوتنا وحاجتهم.
ثم ختم البابا فرنسيس كلمته قبل تلاوة صلاة التبشير الملائكي مذكرا بأن الرب يدعونا إلى ألا ننسى أنه، وإن كانت هناك ضرورة القلق حول الخبز، فمن الأهم إنماء العلاقة معه وتعزيز إيماننا به باعتباره “خبز الحياة” الذي جاء ليُشبع جوعنا للحقيقة والعدالة والمحبة. ثم تضرع قداسته كي تعضدنا في مسيرة إيماننا مريم العذراء، مذكرا بالاحتفال اليوم بذكرى تكريس بازيليك القديسة مريم الكبرى في روما، وأن تساعدنا على أن نترك أنفسنا بفرح لمخطط الله في حياتنا.
هذا وعقب الصلاة أراد الحبر الأعظم التذكير بالبابا الطوباوي بولس السادس الذي كان يعيش 40 سنة مضت أيامه الأخيرة على الأرض حسب ما ذكر، حيث توفي مساء 6 آب أغسطس عام 1978، وطلب البابا فرنسيس من الجميع تحية البابا الطوباوي بانتظار إعلان قداسته في 14 تشرين الأول أكتوبر القادم، كما طلب شفاعته من أجل الكنيسة التي أحبها، ومن أجل السلام في العالم. ثم حيا الأب الأقدس المؤمنين والحجاج من إيطاليا ودول مختلفة.