تلا البابا فرنسيس ظهر اليوم الأحد صلاة التبشير الملائكي، وتحدث قبل تلاوتها إلى المؤمنين المحتشدين في ساحة القديس بطرس عن قراءة اليوم من إنجيل القديس متى، والذي يروي لنا حديث يسوع مستخدما مَثل الزؤان عن رجل زرع زرعا طيبا في حقله ثم اكتشف أن عدوه جاء ليلا وزرع بين القمح زؤانا، وأوضح البابا أن الزؤان يشبه القمح لكنه ملوِّث. وتابع الأب الأقدس أن يسوع يتحدث هنا عن عالمنا الذي هو في الواقع مثل حقل كبير حيث يزرع الله القمح ويزرع الشرير الزؤان. وأضاف أن هذا ما نراه في الأحداث وفي المجتمع، حيث هناك العشب غير الجيد الذي نشعر بالرغبة في قلعه فورا. إلا أن الرب يحذرنا من هذا الميل، فلا يمكن تأسيس عالم كامل ولا يمكن فعل الخير بأن ندمر بشكل متسرع ما لا يسير بشكل جيد، لأن هذا سيأتي بتبعات أكثر سوءً، قال الأب الأقدس.
وواصل البابا متحدثا عما وصفه بحقل آخر يمكننا، بل علينا، أن ننقيه، حقل القلب. وأضاف أن هذا هو الحقل الوحيد الذي يمكننا أن نتدخل فيه بشكل مباشر. وهنا أيضا هناك الزرع الطيب والزؤان، قال قداسته، بل من هذا الحقل يتوسع كلاهما لينتشرا في حقل العالم. وواصل أن قلبنا هو حقل الحرية وأن القلب ليس مختبرا باردا بل هو فسحة مفتوحة وبالتالي هو هش. ولزرع القلب كما ينبغي من الضروري من جهة العناية المتواصلة ببذور الخير الرقيقة، ومن جهة أخرى التعرف على الزرع الفاسد واقتلاع جذوره. دعا البابا فرنسيس بالتالي إلى النظر إلى الداخل لتقييم ما يحدث، ماذا ينمو فينا من خير ومن شر. وقال الأب الأقدس في هذا السياق إن هناك طريقة جيدة للقيام بهذا ألا وهي مساءلة الضمير، والتي هي ضرورية للتحقق، في نور الله، مما يحدث في حقل القلب.
ثم انتقل البابا فرنسيس إلى الحديث عن حقل ثالث بعد حقلَي العالم والقلب، ألا وهو حقل الجار. وقال في هذا السياق إنه يقصد الأشخاص الذين نلتقيهم يوميا والذين غالبا ما ندينهم. وأضاف: كم هو سهل بالنسبة لنا التعرف على زؤانهم، وكم هو صعب في المقابل التمكن من رؤية ما ينمو لديهم من زرع طيب! ودعا قداسته هنا إلى تذكر أننا إن أردنا زرع حقل الحياة فمن الهام أن نبحث في المقام الأول عن عمل الله، أن نتعلم أن نرى في العالم وفي أنفسنا جمال ما زرعه الرب، القمح الذي تعانقه الشمس بسنابله الذهبية. وقال البابا: فلنطلب نعمة أن نتمكن من إدراك بزوغه فينا وأيضا في الآخرين بدءً من القريبين منا. وأضاف أن هذه ليست نظرة ساذجة بل هي نظرة إيمان، وذلك لأن الله زارع حقل العالم الكبير يحب رؤية الخير وجعله ينمو وصولا إلى جعل الحصاد عيدا.
وواصل الأب الأقدس مشيرا إلى أن اليوم أيضا يمكننا أن نطرح على أنفسنا بعض الأسئلة. وقال في إشارة إلى حقل العالم: هل أنا قادر على هزيمة الميل نحو إزالة الآخرين على أساس أحكامي المسبقة؟ أما في حال التفكير في حقل القلب فالسؤال هو: هل أن صادق في البحث داخلي عن الزرع السيء، وهل أنا حازم في الإلقاء به في نار رحمة الله؟ وأخيرا يأتي السؤال حول حقل الجار، هل لدي حكمة أن أرى ما هو طيب بدون أن تحبطني محدودية الآخرين وبطؤهم؟
وختم البابا فرنسيس كلمته إلى المؤمنين قبل تلاوة صلاة التبشير الملائكي سائلا مريم العذراء أن تساعدنا على أن نُنمي بصبر ما يزرعه الله في حقل الحياة وفي حقلي وفي حقل الجار، في حقل الجميع.
هذا وعقب تلاوة صلاة التبشير الملائكي تحدث البابا فرنسيس إلى الحجاج والمؤمنين المحتشدين في ساحة القديس بطرس عن الاحتفال اليوم باليوم العالمي للأجداد والمسنين بينما يستعد الكثير من الشباب للتوجه إلى البرتغال للمشاركة في اليوم العالمي للشباب. وأضاف أنه ولهذا السبب أراد أن يكون بجانبه اليوم شاب وجدة، حفيد وجدة، ودعا الجميع إلى التصفيق لكليهما. وتابع قداسته أن هذا القرب الزمني بين اليومين يجب أن يكون دعوة إلى تعزيز عهد بين الأجيال نحن في حاجة كبيرة إليه اليوم، وذلك لأن المستقبل يتم بناؤه معا، قال البابا، في تقاسم الخبرات والعناية المتبادلة بين الشباب والمسنين. ودعا قداسته إلى عدم نسيان الأجداد والمسنين، ووجَّه الدعوة إلى تصفيق حار لجميع الأجداد والجدات.
وواصل البابا فرنسيس مشيرا إلى ما نشهد اليوم في بلدان عديدة من أحداث مناخية قصوى، حيث تعاني بعض المناطق من موجات غير طبيعية من الحر واندلاع الحرائق، بينما هناك في مناطق غير قليلة العواصف والفيضانات مثل تلك التي ضربت الأيام السابقة كوريا الجنوبية. وأكد الأب الأقدس قربه ممن يعانون وأيضا ممن يقدمون المساعدات للضحايا والنازحين. وأراد البابا فرنسيس في هذا السياق تجديد نداءه إلى مسؤولي الأمم من أجل القيام بأشياء ملموسة بشكل أكبر لتقليص الانبعاثات المسببة للتلوث، ووصف قداسته هذا بتحدٍ لا يمكن تأجيله يعني الجميع، أي حماية بيتنا المشترك.
ومن بين ما أراد البابا فرنسيس تسليط الضوء عليه عقب تلاوة صلاة التبشير الملائكي اليوم ما وصفها بالمأساة التي تتواصل للمهاجرين في شمال أفريقيا. وقال إن هناك الآلاف منهم متروكون بمفردهم منذ أسابيع وسط معاناة كبيرة في بعض المناطق الصحراوية. ووجه قداسته النداء إلى رؤساء الدول والحكومات الأوروبية والأفريقية كي يقدموا بشكل عاجل الإغاثة والمساعدات لهؤلاء الأخوة والأخوات. وقال قداسته: فلّا يَعُد البحر المتوسط مكان موت ولاإنسانية، وليُنر الرب عقول وقلوب الجميع محفزا مشاعر الأخوة والتضامن والاستقبال.
دعا البابا فرنسيس بعد ذلك إلى مواصلة الصلاة من أجل السلام وخاصة من أجل أوكرانيا العزيزة، قال قداسته، التي تواصل المعاناة من الموت والدمار، وأشار على سبيل المثال إلى ما حدث الليلة الماضية في أوديسا. ثم ختم الأب الأقدس محيِّيا الجميع ومتمنيا لهم أحدا سعيدا، وسألهم ألا ينسوا أن يُصلوا من أجله، كما ودعا إلى الصلاة من أجل الأجداد والشباب جميعا.