ألقى قداسة البابا فرنسيس عظة استهلها مشيرا إلى أنه في إنجيل اليوم يفاجئ يسوع معاصريه ويفاجئنا نحن أيضًا. ففيما يُمدح هيكل أورشليم البهيّ، يقول يسوع “لن يُترك منه حجرٌ على حجر” (لوقا 21، 6). وأضاف الأب الأقدس متسائلا لِمَ هذه الكلمات إزاء بناء مقدّس، لم يكن مجرّد صرح، بل علامة دينية فريدة، بيتًا لله وللشعب المؤمن؟ وقال لنبحث عن أجوبة في كلمات يسوع الذي يقول لنا اليوم كل شيء تقريبا سيزول. تقريبا كل شيء، ليس كل شيء. وتابع مشيرا في عظته إلى أنه في هذا الأحد ما قبل الأخير من الزمن العادي يشرح يسوع أن ما يزول هو الهيكل، لا الله؛ الممالك وأحداث البشرية، لا الإنسان. تزول الأشياء التي غالبًا ما تبدو نهائية، لكنها ليست كذلك. هي أمور عظيمة كمعابدنا، ومخيفة كالزلزال، علامات في السماء وحروب على الأرض (راجع لوقا، 21، 10 – 11): تبدو لنا أحداثا مكانها الصفحة الأولى، لكن الرب يضعها في الصفحة الثانية. في الأولى يبقى الذي لن يزول أبدًا: الله الحي، الأعظم من أي هيكل نبنيه له، والإنسان، قريبنا، الذي هو أهم من كل أحداث العالم. وبالتالي، لمساعدتنا على فهم ما هو مهم في الحياة، يحذّرنا يسوع من إغراءين. وتابع البابا فرنسيس عظته مشيرا إلى أن الإغراء الأول هو العجلة، وأشار إلى أن يسوع يقول لنا لا ينبغي السير وراء من يقول “قد حان الوقت” (راجع لوقا 21، 8). وأضاف الأب الأقدس يقول في عظته لا ينبغي اتّباع من يثير المخاوف ويغذي الخوف من الآخَر ومن المستقبل، لأن الخوف يشلّ القلب والعقل. وبالرغم من ذلك، كم من مرة تغرينا العجلة لمعرفة كل شيء وعلى الفور. وأضاف أن هذه العجلة، أي كل شيء وعلى الفور، لا تأتي من عند الله. وأشار البابا فرنسيس من ثم إلى أنه حين ننهمك من أجل الفوري، ننسى ما يبقى للأبد: نتبع الغيوم العابرة، ولا نرى السماء. لا نجد وقتًا لله وللأخ الذي يعيش بقربنا. وفي حماس العجلة، الحصول على كل شيء فورا، يكون مزعجًا من يبقى في الخلف، ويُحكم عليه بالاقصاء: كم من المسنين والذين لم يولدوا بعد، والأشخاص المعوقين، والفقراء، يُعتبَرون بلا فائدة. يتم السير بعجلة، بدون الاكتراث بتزايد المسافات وبأن جشع قلّة يزيدُ من فقر كثيرين.
أضاف البابا فرنسيس قائلا كترياق للعجلة يقدّم يسوع اليوم لكل واحد الثبات “إنَّكم بثباتكمِ تكتسبونَ أنفسكم” (لوقا 21، 19). وتابع الأب الأقدس نطلب لكل واحد منا ولنا ككنسية الثبات في الخير. وأشار من ثم في عظته إلى أن يسوع يريد أن يُبعدنا عن خداع آخر حين يقول لنا “سوف يأتي كثير من الناس منتحلين اسمي فيقولون “أنا هو”! فلا تتبعوهم” (لوقا 21، 8). إنها تجربة “الأنا”. وأضاف البابا فرنسيس متسائلا عن كيفية تمييز صوت يسوع، “سيأتي كثيرون منتحلين اسمي” يقول الرب، ولا ينبغي اتباعهم. وذكّر البابا فرنسيس من ثم بضرورة أن نتكلم لغة يسوع نفسها، لغة المحبة، وقال إن من يتكلم لغة يسوع هو الذي لا يقول أنا، إنما من يخرج من الأنا، وأشار أيضًا إلى أن كلمة الله تدفع إلى “محبة بلا رياء”(روما 12، 9)، وإلى إعطاء مَن ليس بإمكانه أن يكافئنا (راجع لوقا 14، 14)، إلى أن نخدم بدون البحث عن شيء في المقابل (راجع لوقا 6، 35). وأضاف البابا فرنسيس يقول في عظته إن الفقراء هم ثمينون في عيني الله لأنهم لا يتكلّمون لغة “الأنا”. وأشار إلى أن وجود الفقراء يعيدنا إلى الإنجيل “طوبى لفقراء الروح” ( راجع متى 5، 3). وبالتالي، بدل الشعور بالانزعاج لدى سماعهم يقرعون بابنا، نستطيع أن نتلقى صرختهم طالبين المساعدة كنداء لكي نخرج من “الأنا”، ونستقبلهم بالنظرة نفسها، نظرة محبة الله لهم. ما أجمل أن يحتلّ الفقراء في قلبنا مكانهم في قلب الله! وأشار إلى أنه عندما نكون مع الفقراء ونخدمهم نفهم ما الذي يبقى وما الذي يزول.
وفي ختام عظته مترئسا القداس الإلهي في بازيليك القديس بطرس لمناسبة الاحتفال باليوم العالمي الثالث للفقراء، ذكّر البابا فرنسيس بأن ما يبقى للأبد، هي المحبة، لأن “الله محبة” (1 يوحنا 4، 8)، وأضاف أن الفقير الذي يطلب محبتي يقودني مباشرة إلى الله. إن الفقراء يسهّلون لنا دخول السماء.
أخبار الفاتيكان