ترأس قداسة البابا فرنسيس في بازيليك القديس بطرس القداس الإلهي الختامي لسينودس الأساقفة من أجل منطقة الأمازون، والذي بدأ في 6 من الشهر. وفي عظته انطلق الأب الأقدس من قراءة اليوم والتي تساعدنا، حسب ما ذكر قداسته، على الصلاة من خلال ثلاث شخصيات: الفريسي والجابي في المثل الذي ضربه يسوع (لوقا 18، 9-14)، والفقير في سفر يشوع ين سيراخ (سي 35، 12-18). وتعمق قداسة البابا في هذه الصلوات فتحدث أولا عن صلاة الفريسي متوقفا عند بدايتها “الَّلهُمَّ، شُكراً لَكَ” والتي وصفها البابا فرنسيس بالممتازة لأن الصلاة الأفضل هي صلاة الشكر والتسبيح. ثم يأتي بعد ذلك فورا سبب الشكر لله، تابع البابا فرنسيس، ألا وهو “لِأَنِّي لَستُ كَسائِرِ النَّاسِ” (لو 18، 11)، ويتابع الفريسي أنه يصوم مرتين في الأسبوع، بينما كان يُقضى حينها بالصوم مرة واحدة في السنة، كما ويؤدي عُشر كل ما يقتني بينما كان العشر مفترضا حينها لأهم المنتجات فقط. أي أن الفريسي يتباهى باتّباعه جيدا لأحكام بعينها لكنه ينسى أكبرها: محبة الله ومحبة القريب. وتابع البابا فرنسيس مشيرا إلى أن الفريسي ممتلئ بالثقة في نفسه وقدرته على اتّباع الوصايا وفضائله أي أنه يركز فقط على ذاته، هو بدون محبة، وبدون محبة فأن حتى أفضل الأشياء لا تفيد مثل ما يقول القديس بولس (راجع 1 قور 13). النتيجة بدون محبة هي أن الفريسي وبدلا من أن يصلي فقد بجل نفسه، ولا يطلب من الرب شيئا لأنه لا يشعر بحاجة أو بدَين، كان الفريسي في معبد الرب لكنه كان يمارس ديانة الأنا. وإلى جانب نسيان الله فهو ينسى القريب أيضا، بل يزدريه، فهو يشعر بنفسه أفضل من الآخرين، يقصيهم ويبتعد عنهم. وأراد الأب الأقدس هنا التذكير بأننا كثيرا ما نرى هذا في الحياة وفي التاريخ، وتساءل كم من المرات نرى مَن هو في الأمام، مثل الفريسي مقارنةً بالجابي، يرفع الجدران ليزيد المسافة مُزيدا من إقصاء الآخرين، أو يعتبر الآخرين متخلفين وقليلي القيمة فيزدري تقاليدهم ويلغي تاريخهم، يحتل أراضيهم ويستولي على خيورهم. كم من الفوقية المدعاة تتحول إلى ظلم واستغلال اليوم أيضا! وواصل الأب الأقدس مشيرا إلى أن أخطاء الماضي لم تكفِ للتوقف عن السطو على الآخرين وجرح أخوتنا وأختنا الأرض، وهذ ما نراه في وجه الأمازون المشوه. وتحدث البابا فرنسيس عن ديانة الأنا التي تواصل، برياء، طقوسها وصلواتها ناسية عبادة الله الحقيقية التي تمر دائما عبر محبة القريب. وتابع البابا أن هناك أيضا مسيحيين يتوجهون إلى القداس يوم الأحد من أتباع ديانة الأنا هذه. ودعا قداسته هنا إلى النظر في دواخلنا لنرى إن كنا نعتبر أحدا أقل منا يجب إقصاؤه حتى ولو بالكلمات، وإلى الصلاة طالبين نعمة ألا نشعر بفوقية أو بأننا صالحون، لنطلب من يسوع أن يشفينا من التحدث بسوء عن الآخرين والشكوى منهم، من ازدراء الآخرين، فهذه تصرفات لا ترضي الله.
ثم انتقل البابا فرنسيس للحديث عن الصلاة الثانية، صلاة الجابي، فقال إنها تساعدنا على فهم ما يرضي الله. فالجابي لا يبدأ الصلاة متحدثا عن حسناته بل عن عيوبه، لا عن ثرائه بل عن فقره، وليس هذا فقرا ماليا بل فقر حياة لأنه لا يُعاش جيدا أبدا في الخطيئة. يعترف الجابي بفقره أمام الله ويستمع الرب إلى صلاته المؤلفة من كلمات قليلة ولكن من تصرفات حقيقية. فبينما كان الفريسي في الأمام وقف الجابي بعيدا ولم يتجرأ حتى على رفع عينيه نحو السماء، بل كان يقرع صدره حيث هناك قلبه، صلاته تنبع من القلب وهي شفافة، هو يضع أمام الله قلبه، لا ما هو ظاهري. وتابع البابا فرنسيس أن الصلاة تعني أن ندع الله ينظر إلى داخلنا بلا إدعاء أو أعذار أو مبررات، وأضاف أن ما يأتي من الشيطان هو الظلام والزيف أما من الله فيأتي النور والحق. وواصل قداسته متحدثا عن جمال الحوار مع الآباء والأخوة في السينودس خلال هذه الأسابيع وذلك من القلب وبصراحة ووضوح، واضعين أمام الله وأمام الأخوة المتاعب والرجاء، وشكر قداسته المشاركين في السينودس على هذا الحوار. وبالنظر إلى الجابي، تابع الأب الأقدس، نكتشف من أين يجب أن ننطلق، من الإيمان بكوننا جميعا في حاجة إلى الخلاص، هذه هي الخطوة الأولى نحو ديانة الله التي هي الرحمة إزاء مَن يعترف بفقره. وتابع قداسته أن أصل أي أخطاء روحية يكمن في الاعتقاد بأننا أبرار، وهذا ما يوضحه لنا يسوع في المثل المذكور. ودعا البابا إلى أن ننظر في داخلنا بصدق حيث سنجد فينا كلًا من الجابي والفريسي، فنحن كالجابي لأننا خطأة وكالفريسي لأننا متعجرفون ونبرر أنفسنا. وتابع قداسته داعيا إلى التضرع طالبين نعمة أن نشعر بأنفسنا محتاجين إلى الخلاص، فقراء في داخلنا. وسيساعدنا في هذا أن نقترب من الفقراء لنتذكر كوننا فقراء وأن خلاص الله يعمل في الفقر الداخلي فقط.
وفي حديثه عن الصلاة الثالثة، صلاة الفقير في سفر يشوع ين سيراخ، والتي تَنفذ الغيوم، قال البابا فرنسيس إنه بينما تظل صلاة مَن يعتبر نفسه بارا في الأرض تسحقها قوة جاذبية الفردانية، تتوجه صلاة الفقير إلى الله مباشرة. وتابع أن الفقراء هم مَن يفتح الأبواب على الحياة الأبدية، هم الذين لم يعتبروا أنفسهم أسيادا في هذه الحياة ولم يضعوا أنفسهم أمام الآخرين وكان غناهم في الله فقط، ووصف قداسة البابا الفقراء بالأيقونة الحية للنبوة المسيحية. ثم تابع متحدثا عن نعمة الإصغاء خلال السينودس إلى الفقراء والتأمل في حياتهم الصعبة التي تهددها نماذج تنمية ناهبة. إلا أنه ورغم هذه الظروف شهد كثيرون على إمكانية النظر إلى الواقع بشكل مختلف متقبلين إياه بأذرع مفتوحة كهبة، ساكنين الخليقة لا كوسيلة تُستغل بل كبيت يُحرس واثقين في الله الذي هو أب “يستجيب صلاة المظلوم” ( راجع سي 35، 13). ثم أشار الأب الأقدس إلى أنه وفي الكنيسة أيضا لا يُصغى أحيانا إلى أصوات الفقراء بل تتعرض للسخرية أو يتم إسكاتها لأنها مزعجة. ثم ختم البابا فرنسيس طالبا نعمة القدرة على الإصغاء إلى صرخة الفقراء التي هي صرخة رجاء الكنيسة، وحين نجعل هذه الصرخة صرختنا فستَنفذ صلاتنا أيضا الغيوم.
أخبار الفاتيكان