تلا قداسة البابا فرنسيس صلاة افرحي يا ملكة السماء مع المؤمنين والحجاج المحتشدين في ساحة القديس بطرس، وتحدث قبل الصلاة عن تمحور هذا الأحد الثالث للفصح حول خبرة التلاميذ مع المسيح القائم، والذي تراءى لهم قائلا “السلام عليكم”. وتابع الأب الأقدس أن هذه التحية تشير إلى كلٍّ من السلام الداخلي والسلام الذي يترسخ في العلاقات بين الأشخاص. ثم أشار إلى سرد القديس لوقا لما وصفه البابا بواقعية القيامة، حيث لسنا هنا أمام ظهور لروح يسوع بل أمام حضور مادي للجسد القائم من بين الأموات. وعن رد فعل التلاميذ قال إن يسوع قد انتبه إلى فزعهم وخوفهم والناتجين عن عدم استيعابهم لواقع القيامة، اِعتقدوا أنهم يرَون روحا. إلا أن يسوع القائم ليس روحا، تابع الحبر الأعظم، بل هو إنسان له جسده ونفسه، ولهذا يقول لتلاميذه “أُنظُروا إِلى يَدَيَّ وقَدَميَّ. أَنا هو بِنَفْسي. إِلمِسوني وانظُروا، فإِنَّ الرُّوحَ ليسَ له لَحمٌ ولا عَظْمٌ كما تَرَونَ لي” (لو 23، 39). وعندما بدا أن هذا لا يكفي للتغلب على عدم تصديق التلاميذ، وأشار قداسة البابا هنا إلى ما يذكر إنجيل القديس لوقا حول أنهم لم يصدقوا بسبب الفرح، سألهم يسوع “أعِندَكُم ههُنا ما يُؤكَل؟ فناوَلوهُ قِطعَةَ سَمَكٍ مَشوِيّ. فأَخَذَها وأَكَلَها بِمرأًى مِنهُم” (41).
وانطلق البابا فرنسيس من هنا للحديث عن إصرار يسوع على التأكيد على واقع قيامته، وأن يسوع بفعله هذا ينير النظرة المسيحية للجسد، فالجسد ليس عقبة أو سجنا للنفس، الجسد قد خلقه الله، ولا يكتمل الإنسان إن لم يكن وحدةً بين الجسد والنفس. وتابع البابا أن يسوع قد هزم الموت وقام جسدا ونفسا، وهكذا يعلمنا أن نتحلى بفكرة إيجابية عن جسدنا، فالجسد يمكن أن يكون فرصة أو أداة للخطيئة، إلا أن الخطيئة لا يسببها الجسد بل ضعفنا الأخلاقي. ولهذا يدعو قداسة البابا إلى احترام كبير للجسد، لأجسادنا وأجساد الآخرين، لأنه عطية من الله، ويعبر في وحدة مع النفس عن كمال الصورة التي خُلقنا بها، على صورة الله.
أكد الحبر الأعظم بالتالي أن أي اعتداء أو عنف يمارَس ضد الجسد أو جرحه بأي شكل هو إهانة لله الخالق، وأضاف قداسته في هذا السياق أنه يتوجه بفكره إلى الأطفال والنساء والمسنين الذين يعامَلون بسوء في أجسادهم، وفي أجساد هؤلاء نجد جسد المسيح. وتابع البابا متحدثا عن أن يسوع بتعرضه للسخرية والإهانة والضرب ثم الصلب، قد علمنا المحبة، محبة أثبتت بقيامته أنها أقوى من الخطيئة ومن الموت، وتريد افتداء كل مَن يختبرون في جسدهم عبودية زمننا. وتابع قداسته متحدثا عن أن إنجيل اليوم يدعونا، في عالم غالبا ما تكون الغلبة فيه لظلم الأشخاص الأكثر ضعفا وحيث المادية تخنق الروح، إلى أن نكون أشخاصا قادرين على النظر في العمق، تملؤهم الدهشة والفرح العظيم بلقاء الرب القائم، أشخاصا يعرفون كيف يستقبلون ويثمنون حداثة الحياة التي زرعها في التاريخ لتوجيهها نحو السماء الجديدة والأرض الجديدة.
وختم قداسة البابا فرنسيس كلمته قبل تلاوة صلاة افرحي يا ملكة السماء طالبا مساعدة العذراء مريم لنا في هذه المسيرة، موكلين أنفسنا بثقة إلى شفاعتها الأمومية.
وعقب تلاوة صلاة افرحي يا ملكة السماء أشار الحبر الأعظم إلى الاحتفال اليوم بتطويب الشهيد لوسيان بوتوفاسوا في مدغشقر، والذي أُلقي القبض عليه وقُتل بسبب رغبته في البقاء أمينا للرب وللكنيسة مقدما شهادة مستمرة للمسيح، وصولا إلى هبة الحياة ببطولة، وأضاف قداسته أن الطوباوي الجديد هو بالنسبة لنا جميعا مثلا للمحبة ولقوة في الإيمان.
هذا وفي إشارة الى ما يحدث في سوريا، أعرب قداسة البابا عن تكدره العميق إزاء الوضع العالمي الحالي والذي يصعب فيه، رغم ما يتوفر لدى المجتمع الدولي من وسائل، الاتفاق على فعل مشترك لصالح السلام في سوريا ومناطق أخرى من العالم. وأكد الحبر الأعظم صلاته المتواصلة من أجل السلام داعيا ذوي الإرادة الطيبة جميعا إلى أن يفعلوا الشيء نفسه، كما جدد نداءه إلى المسؤولين السياسيين جميعا كي تكون السيادة للعدالة والسلام.
تحدث قداسته بعد ذلك عن تلقيه بألم نبأ مقتل ثلاثة أشخاص كانوا قد اختُطفوا في آذار مارس المنصرم على الحدود بين الإكوادور وكولومبيا، وأكد الصلاة على نيتهم ومن أجل عائلاتهم وعلى قربه من شعب الإكوادور، مشجعا إياه على السير قُدما في وحدة وسلام. طلب الحبر الأعظم من جهة أخرى من الجميع الصلاة من أجل أشخاص مثل فنسان لامبير في فرنسا والطفل ألفي إيفانز في إنجلترا وغيرهم في دول أخرى، يعيشون في حالة مرضية خطيرة ويتلقون المساعدات الطبية الأساسية. ووصف هذه بحالات حساسة وأليمة ومعقدة، ودعا إلى الصلاة كي تُحترم دائما كرامة كل شخص مريض، وأن يتلقى العلاج بالشكل الملائم لحالته ومساعدة متفَق عليها بين عائلته والأطباء وغيرهم من العاملين في قطاع الصحة.
وفي ختام كلمته بعد تلاوة صلاة افرحي يا ملكة السماء في ساحة القديس بطرس وجه قداسة البابا فرنسيس التحية إلى مجموعات المؤمنين القادمين من إيطاليا ودول أخرى، ثم تمنى للجميع أحدا سعيدا مذكرا إياهم بالصلاة من أجله.
إذاعة الفاتيكان