حتفالا بعيد الدنح ترأس البابا فرنسيس القداس الإلهي في بازيليك القديس بطرس بالفاتيكان. وتخللت الذبيحة الإلهية عظة للأب الأقدس قال فيها: إن كلمات النبي أشعيا – والموجّهة لمدينة أورشليم المقدسة – تدعونا لنقوم ونخرج، لنخرج من انغلاقنا ومن ذواتنا والاعتراف ببهاء النور الذي يضيء حياتنا: “قومي استنيري فإِنَّ نورَكِ قد وافى ومَجدَ الرَّبِّ قد أَشرَقَ علَيكِ”. “نوركِ” هو مجد الرب. لا يمكن للكنيسة أن توهم نفسها بأن تُشعَّ بنورها الخاص. يذكّرنا القديس أمبروسيوس بهذا الأمر إذ يستعمل القمر كتشبيه للكنيسة ويقول: “إن الكنيسة بالفعل هي كالقمر… لا تُضيء بنورها وإنما بنور المسيح. تأخذ بهاءها من شمس البر، فتتمكن هكذا من أن تقول: “فما أَنا أَحْيا بَعدَ ذلِك، بلِ المسيحُ يَحْيا فِيَّ”. المسيح هو النور الحقيقيّ الذي يضيء؛ وبقدر ما تبقى الكنيسة متجذرة فيه، وبقدر ما تسمح له بأن ينيرها، تتمكّن بدورها من إنارة حياة الأشخاص والشعوب. لذلك كان الآباء القديسون يرون في الكنيسة “سرّ القمر”.
تابع الأب الأقدس يقول نحن بحاجة لهذا النور الذي يأتي من العلو لنُجيب بطريقة تتطابق مع الدعوة التي نلناها. إن إعلان إنجيل المسيح ليس خيارًا من بين خيارات عديدة يمكننا القيام بها، كما وأنه ليس مهنة. أن تكون الكنيسة إرساليّة فهذا الأمر لا يعني الضمّ البغيض أو الاقتناص وإنما يوازي ويعبّر عن طبيعتها أي أن يضيء الله عليها وأن تعكس نوره. هذه هي خدمتها. وما من طريق آخر لأن الرسالة هي دعوتها: فخدمتها هي أن تشع نور المسيح. كم من الأشخاص ينتظرون منا هذا الالتزام الرسولي لأنّهم بحاجة للمسيح وبحاجة ليتعرّفوا إلى وجه الآب.
أضاف الحبر الأعظم يقول إن المجوس الذين يخبرنا عنهم إنجيل متى، هم شهادة حيّة لواقع أن بذار الحقيقة موجودة في كل مكان، لأنها عطيّة من الخالق الذي يدعونا جميعًا لنعترف به كأب صالح وأمين. إن المجوس يمثّلون الرجال القادمين من كل جهة من الأرض والذين يُقبلون في بيت الله. أمام يسوع لا وجود بعد الآن للانقسام بين إثنيّة أو لغة أو ثقافة: ففي ذاك الطفل تجد البشريّة وحدتها. ومهمّة الكنيسة هي أن تعرف وتُظهر بشكل أوضح الرغبة إلى الله التي يحملها كل فرد في داخله. هذه هي خدمة الكنيسة أن تظهر من خلال النور الذي تعكسه الرغبة إلى الله التي يحملها كل فرد في داخله. وعلى مثال المجوس يعيش العديد من الأشخاص، حتى في أيامنا هذه، وقلبهم مُضطرب يستمر في طرح أسئلة بدون أن يجد أجوبة أكيدة؛ هذا قلق الروح القدس الذي يتحرّك في القلوب. هم أيضًا يبحثون عن النجم الذي يشير إلى الدرب نحو بيت لحم.
ما أكثر النجوم في السماء! وبالرغم من هذا تبع المجوس نجمًا مختلفًا، جديدًا، كان يشعُّ أكثر بالنسبة لهم. كانوا قد تفحصوا كتاب السماء الكبير وتمعّنوا فيه لمدة طويلة ليجدوا جوابًا على تساؤلاتهم – لقد كانت قلوبهم قلقة – وأخيرًا ظهر النور. لقد غيّرهم ذلك النجم، جعلهم ينسون اهتماماتهم اليوميّة فبادروا فورًا بالمسير. لقد أصغوا إلى صوت في داخلهم كان يدفعهم لإتباع ذاك النور – هذا هو صوت الروح القدس الذي يعمل في جميع الأشخاص –؛ فقادهم إلى أن وجدوا ملك اليهود في بيت فقير في بيت لحم. يشكل هذا الأمر كلّه تعليمًا بالنسبة لنا. واليوم سيفيدنا أن نردّد سؤال المجوس: “أَينَ مَلِكُ اليهودِ الَّذي وُلِد؟ فقَد رأَينا نَجمَه في المَشرِق، فجِئْنا لِنَسجُدَ لَه” (متى 2، 2). نحن مدعوون، لاسيما في زمن كزمننا، أن نضع أنفسنا في بحث عن العلامات التي يقدمها الله، عالمين أنّها تتطلّب التزامنا لنقرأها ونفهم مشيئته. وختم البابا فرنسيس عظته بالقول نحن مدعوون للذهاب إلى بيت لحم لنجد الطفل وأمّه. لنتبع إذًا النور الذي يقدّمه الله لنا! النور الذي ينبعث من وجه المسيح المفعم بالرحمة والأمانة. وما إن نصل أمامه لنسجد له من كلّ قلبنا ولنقدّم له هدايانا: حريتنا وحكمتنا ومحبّتنا. إن الحكمة الحقيقية تختبئ في وجه هذا الطفل. فهنا، في بساطة بيت لحم تجد حياة الكنيسة ملخّصها، وهنا ينبوع ذاك النور الذي يجذب إليه كل شخص في العالم ويوجّه مسيرة الشعوب على درب السلام.
إذاعة الفاتيكان