ترأس قداسة البابا فرنسيس القداس الإلهي مع الكرادلة في كابلة القديس بولس في الفاتيكان بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين على سيامته الأسقفيّة وللمناسبة ألقى الأب الأقدس عظة قال فيها سمعنا في القراءة الأولى كيف يتابع الحوار بين الله وإبراهيم، ذاك الحوار الذي بدء بالقول: “انطَلِق مِن أَرضِكَ وَعَشيرَتِكَ وَبَيتِ أَبيك، إِلى الأَرضِ ٱلَّتي أُريك”، وفي استمراريّة هذا الحوار نجد ثلاثة أفعال أمر: “قم!” “أنظر!” وارجو!”، وهذه الأفعال تطبع الدرب التي ينبغي على إبراهيم أن يسيرها وأسلوب تصرّفه وموقفه الداخلي: “قم!” “أنظر!” وارجو!”
تابع الأب الأقدس يقول “قم!”؛ قم وسر لا تراوح مكانك! لديك واجب ورسالة وعليك أن تحققها في المسيرة. لا تبقى جالسًا، قم وانهض. وانطلق إبراهيم في مسيرته، مسيرة دائمة، وعلامتها هي الخيمة. نقرأ في سفر التكوين أن إبراهيم كان يقيم في خيمة وكان ينصبها في كلّ مرّة كان يتوقّف، لم يبنِ لنفسه بيتًا لأنّه كان يتبع هذا الأمر: “قُمّ!”. لقد كان فقط يبني المذابح للرب ليعبد الذي أمره أن يقوم وينطلق في المسيرة.
أما الأمر الثاني فهو أنظر، قال له الرب: “إِرفَع طَرفَكَ وَانظُر مِنَ المَوضِعِ الَّذي أَنتَ فيه، شَمالا وَجَنوبًا وَشَرقًا وَغَربًا”. إرفع طرفك وانظر نحو الأفق ولا تبني الجدران، أنظر على الدوام وسر إلى الأمام وهذه هي روحانيّة الأفق إذ أنّك في كل مرّة تسير إلى الأمام يتسع الأفق أمامك. “أرجو” هذا هو الأمر الثالث ونستشفّه من هذا الحوار الجميل: “قالَ أَبْرام للرب: “إِنَّكَ لَم تَرزُقْني نَسْلاً، فهُوَذا رَبيبُ بَيتي يَرِثُني”؛ فإِذا بِكَلِمَةِ الرَّبِّ إِليه قائلاً: “لن يَرِثَكَ هذا، بل من يَخرُجُ مِن أَحْشائِكَ هو يَرِثُكَ”. أي أرجو! هذا ما قاله الرب لرجل لم يكن بإمكانه أن يلد نسلاً إن كان بسبب عمره وإن كان بسبب عقر امرأته، لكن الرب قال له: “يَخرُجُ مِن أَحْشائِكَ” وسيكون “نَسلَكَ كَتُرابِ الأَرض، حتَّى إِن أَمكَنَ أَحدًا أَن يُحصِيَ تُرابَ الأَرض، فنَسلُكَ أَيضاً يُحْصى” ويقول له لاحقًا: “اُنْظُرْ إِلى السَّماء وأَحْصِ الكَواكِبَ إِنِ استَطَعتَ أَن تُحصِيَها، وقالَ له: “هكذا يَكونُ نَسْلُك”. فآمَنَ إبراهيم بِالرَّبّ، فحَسَبَ لَه ذلك بِرّاً”. بالإيمان بدأ إبراهيم ذلك البر الذي سيشرحه الرسول بولس في حديثه عن التبرير.
تابع البابا فرنسيس يقول عندما دعا الله إبراهيم، كان إبراهيم في عمرنا، كان مسنًّا وبدء مسيرته في هذا العمر، مع كل آلامه وأمراضه، ومع ذلك قام وانطلق كشاب. “قم!” “أنظر!” وارجو!” كلمات الله هذه هي موجّهة لنا اليوم نحن أيضًا، ويقول لنا الرب أيضًا أنّه ليس الوقت لنغلق حياتنا وتاريخنا؛ وإنما تاريخنا هو منفتح ولديه رسالة، ويشير إلى هذه الرسالة بأفعال الأمر الثلاثة هذه: “قم!” “أنظر!” وارجو!”
أضاف الحبر الأعظم يقول قد يسمّينا البعض مُسنّين أو شيوخًا ولكننا لسنا كذلك! نحن أجداد وإن لم نكن نشعر بهذا الأمر فلنطلب هذه النعمة. نحن أجداد وأحفادنا ينظرون إلينا لنعطيهم معنى الحياة من خلال خبراتنا، وهذا ما نحن عليه لأننا لسنا أجداد منغلقين في الكآبة، ولذلك فهذه الكلمات “قم!” “أنظر!” وارجو!” تعادل بالنسبة لنا كلمة الحلم، نحن أجداد مدعوون لنحلم ولننقل هذا الحلم لشباب اليوم إذ أنّهم يحتاجون إليه. لأنّهم سيستمدّون القوّة من أحلامنا ليتنبأوا ويحملوا رسالتهم قدمًا.
تابع الأب الأقدس يقول يأتي إلى ذهني مقطع من إنجيل القديس لوقا والذي يحدّثنا عن سمعان الشيخ وحنّة النبيّة ما أعظم قدرتهما على أن يحلما وقد تحقق حلمهما وأَخَذَت حنّة تَحمَدُ الله، وتُحَدِّثُ بِأَمرِ الطِّفلِ كُلَّ مَن كانَ يَنتَظِرُ افتِداءَ أُورَشَليم. وهذا ما يطلبه الرب اليوم منا: أن نكون أجدادًا وأن تكون فينا الحيويّة لنعطيها للشباب لأنّهم ينتظرونها منا، وألا ننغلق على أنفسنا بل نعطي أفضل ما عندنا: هم ينتظرون خبرتنا وأحلامنا الإيجابيّة ليحملوا نبؤتهم وعملهم قدمًا.
وختم البابا فرنسيس عظته بالقول أطلب من الرب هذه النعمة لنا جميعًا حتى للذين لا يزالون شبابًا بيننا، نعمة أن نكون أجدادًا ونعمة أن نحلم وننقل أحلامنا لشبابنا لأنّهم يحتاجون إليها!
اذاعة الفاتيكان