بعد اجتماعه إلى الممثلين عن السلطات الفلسطينية انتقل البابا فرنسيس إلى ساحة المهد في بيت لحم حيث ترأس الاحتفال بالقداس الإلهي بحضور آلاف المؤمنين والمسؤولين الدينيين والمدنيين. وفي طريقه إلى ساحة المهد توقف البابا لحظة للصلاة أمام الجدار الفاصل بين إسرائيل وبيت لحم!
وقد تخللت الذبيحة الإلهية في ساحة المهد عظة للحبر الأعظم قال فيها:
“وإليكم هذه العلامة: ستجدون طفلاً مقمّطًا مضجعًا في مذود” (لوقا 2، 12).
إنها لنعمة كبيرة الاحتفال بالافخارستيا في المكان الذي ولد فيه يسوع! أشكر الله وأشكركم أنتم الذين استقبلتموني خلال حجي هذا: الرئيس محمود عباس والسلطات الأخرى، البطريرك فؤاد طوال والأساقفة الآخرون ومجلس أساقفة الأرض المقدّسة، الكهنة والأشخاص المكرسون وجميع الذين يلتزمون للحفاظ على الإيمان والرجاء والمحبة في هذه الأراضي، والممثلون عن المؤمنين القادمين من غزة والجليل، والمهاجرين من آسيا وأفريقيا. أشكركم على استقبالكم!
إن الطفل يسوع المولود في بيت لحم هو العلامة التي منحها الله للذين كانوا ينتظرون الخلاص، ويبقى للأبد العلامة لحنان الله وحضوره في العالم. لقد قال الملاك للرعاة: “وإليكم هذه العلامة: ستجدون طفلاً.
واليوم أيضًا يشكل الأطفال علامة. علامة رجاء، علامة حياة، وإنما أيضًا علامة “تشخيصيّةً” لفهم الوضع الصحيّ للعائلة والمجتمع والعالم بأسره. عندما يُقبل الأطفال ويُحبّوا ويُحرسون ويكونون محميّين تكون العائلة سليمة ويتحسّن المجتمع ويصبح العالم أكثر إنسانيّة. لنفكر بالعمل الذي تقوم به مؤسسة “إفّتاح” بولس السادس لصالح الأطفال الفلسطينيين الصم والبكم”، إنها علامة ملموسة لطيبة الله، علامة ملموسة لتحسن المجتمع.
يكرّر الله لنا أيضًا نحن رجال ونساء القرن الحادي والعشرين: “إليكم هذه العلامة”، ابحثوا عن الطفل.
طفل بيت لحم هش كجميع المولودين الجدد. لا يعرف أن يتكلّم ومع ذلك هو الكلمة المتجسّد الآتي ليغيّر قلب وحياة البشر. ذاك الطفل، ككل طفل، ضعيف وبحاجة لمن يساعده ويحميه. واليوم أيضًا يحتاج الأطفال لمن يقبلهم ويدافع عنهم، منذ تكوينهم في أحشاء الأم.
للأسف في عالمنا هذا الذي طوّر التقنيات الأكثر تطوّرًا لا يزال هناك العديد من الأطفال الذين يعيشون حالات غير إنسانية، ويعيشون على هامش المجتمع وفي ضواحي المدن الكبيرة أو المناطق الريفيّة. لا يزال هناك العديد من الأطفال اليوم الذين يُستغلّون وتُساء معاملتهم ويُستعبدون، وهم عُرضة للعنف والإتجار غير الشرعي. كثيرون هم الأطفال المهجّرون واللاجئون وأحيانًا يغرقون في البحار وخصوصًا في مياه البحر الأبيض المتوسط. نحن نخجل من هذا كله اليوم أمام الله، الله الذي صار طفلاً.
ونتساءل: من نحن أمام الطفل يسوع؟ من نحن أمام أطفال اليوم؟ هل نحن كمريم ويوسف اللذين يستقبلان يسوع ويهتمّان به بحب والدي؟ أم نحن كهيرودس الذي يريد قتله؟ هل نحن كالرعاة الذين ذهبوا مسرعين وسجدوا يعبدونه وقدّموا له هداياهم المتواضعة؟ أم أننا غير مبالين؟ هل نحن من أصحاب “البلاغة” و”التقويّة”، أشخاص يستغلّون صور الأطفال الفقراء بهدف الربح؟ هل نحن قادرون على الاقتراب منهم و”هدر الوقت” معهم؟ هل نعرف أن نصغي إليهم ونحرسهم ونصلي من أجلهم ومعهم؟ أم أننا نُهملُهم لنهتمّ بمصالحنا؟
“إلينا هذه العلامة: ستجدون طفلاً…” ربما ذلك الطفل يبكي. يبكي لأنه جائع، لأنه يشعر بالبرد، لأنه يريد أن يُحتضن … واليوم يبكي الأطفال أيضًا، يبكون كثيرًا وبكاؤهم يُسائلنا. وفي عالم يرمي يوميًا كميّات هائلة من الأكل والأدوية، هناك أطفال يبكون، بلا جدوى، نتيجة الجوع والأمراض القابلة للشفاء. وفي زمن يعلن حماية القاصرين، يُتاجر بأسلحة تنتهي بين أيدي الأطفال – المجندين؛ يُتاجر بمنتجات يُعلبها عمال – عبيد صغار. بكاؤهم مخنوق: بكاء هؤلاء الأطفال مخنوق! عليهم أن يحاربوا، عليهم أن يعملوا، لا يمكنهم أن يبكوا! لكن الأمهات يبكين من أجلهم: إنهن راحيل عصرنا: يبكين على أبنائهنَّ ويأبين أن يتعزين (را. مت 2، 18).
“إليكم هذه العلامة ستجدون طفلاً…” ولد الطفل يسوع في بيت لحم، وكل طفل يولد وينمو في كل ناحية من العالم هو علامة “تشخيصيّة” تسمح لنا بالتحقق من الوضع الصحيّ لعائلتنا وجماعتنا وأمّتنا. ومن هذا التشخيص الصريح والنزيه يمكن أن ينبثق أسلوب حياة جديد حيث لا تكون العلاقات بعد الآن علاقات صراع وقمع واستهلاك، وإنما علاقات أخوّة ومغفرة، مصالحة ومقاسمة وحب.
صلاة:
يا مريم، أمَّ يسوع،
يا مَنْ قبلتي، علّمينا أن نقبَل؛
يا مَنْ عبدتي، علّمينا أن نعبُد؛
يا مَنْ تبعتي، علّمينا أن نتبع. آمين
عن أبونا