“ككنيسة يسوع نرغب في أن نضع أنفسنا في الإصغاء إليكم بمحبّة، متأكِّدين من أمرين: أنَّ حياتكم هي ثمينة بالنسبة لله، لأنَّ الله شاب ويحبُّ الشباب؛ وأنَّ حياتكم ثمينة أيضًا بالنسبة لنا، لا بل هي ضروريّة للمضيِّ قدمًا” هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في عظته مختتمًا أعمال الجمعيّة العامة العادية الخامسة عشرة لسينودس الأساقفة
ترأس قداسة البابا فرنسيس صباح الأحد القداس الإلهي في بازيليك القديس بطرس بمناسبة اختتام الجمعيّة العامة العادية الخامسة عشرة لسينودس الأساقفة حول موضوع “الشباب، الإيمان وتمييز الدعوات” وللمناسبة ألقى الأب الأقدس عظة قال فيها: إنَّ الحدث الذي سمعناه هو الأخير الذي يخبر فيه الإنجيلي مرقس عن الخدمة المتجوِّلة ليسوع الذي سيدخل بعدها إلى أورشليم ليموت ويقوم. وهكذا يكون برطيماوس الأخير في اتباع يسوع في المسيرة: من مُستعطٍ على جانب طريق أريحا، أصبح تلميذًا يسير مع الآخرين نحو أورشليم. نحن أيضًا قد سرنا معًا، وعشنا السينودس، والآن يختم هذا الإنجيل ثلاث خطوات أساسيّة لمسيرة الإيمان.
تابع الأب الأقدس يقول ننظر أولاً إلى برطيماوس: اسمه يعني “ابنُ طيماوُسُ” والنص يحدّد هذا الأمر: “ابنُ طيماوُسُ وَهُوَ بَرطيماوُسُ”. ولكن فيما يعيد الإنجيل التأكيد على هذا الأمر يظهر هناك تناقض: الأب غائب. وبرطيماوس ملقى وحده على الطريق، خارج البيت وبدون أب: هو غير محبوب ومتروك. هو أعمى وليس هناك من يُصغي إليه. سمع يسوع صرخته وعندما التقاه تركه يتكلّم، لم يكن من الصعب فهم ما كان برطيماوس سيطلبه: من الواضح أن يرغب الأعمى في استعادة نظره. لكنَّ يسوع لم يكُن متسرِّعًا وأعطى وقتًا للإصغاء. هذه هي الخطوة الأولى لمساعدة مسيرة الإيمان: الإصغاء. إنّه العمل الرسولي للأُذن: الإصغاء قبل الكلام.
أضاف الحبر الأعظم يقول إن كثيرين من الذين كانوا مع يسوع كانوا ينتهرون برطيماوس ليسكت. لقد كان هذا المحتاج بالنسبة للتلاميذ إزعاجًا في المسيرة وحدثًا مفاجئًا في البرنامج. لقد كانوا يفضِّلون أوقاتهم على أوقات المعلِّم، وكلماتهم على الإصغاء للآخرين: كانوا يتبعون يسوع ولكنّهم كانوا يفكّرون في مشاريعهم. إنّه خطر ينبغي علينا أن نتنبّه منه دائمًا. أما بالنسبة ليسوع فصرخة من يطلب المساعدة ليست إزعاجًا يعرقل المسيرة بل هي سؤال حيوي. كم هو مهمٌّ بالنسبة لنا أن نصغي للحياة! إنَّ أبناء الآب السماوي يُصغون إلى الإخوة: لا إلى الثرثرة العقيمة وإنما لاحتياجات القريب. وبالتالي علينا أن نصغي بمحبّة وصبر، تمامًا كما يتصرّف الله معنا في صلواتنا التي غالبًا ما تكون تكراريّة. إنَّ الله لا يتعب أبدًا، ويفرح دائمًا عندما نبحث عنه. لنطلب نحن أيضًا نعمة قلب طائع للإصغاء. أرغب في أن أقول للشباب، باسمنا جميعًا نحن البالغين: إعذرونا إن لم نصغِ إليكم غالبًا؛ وإن كنا قد ملأنا آذانكم بدلاً من أن نفتح لكم قلوبنا. ككنيسة يسوع نرغب في أن نضع أنفسنا في الإصغاء إليكم بمحبّة، متأكِّدين من أمرين: أنَّ حياتكم هي ثمينة بالنسبة لله، لأنَّ الله شاب ويحبُّ الشباب؛ وأنَّ حياتكم ثمينة أيضًا بالنسبة لنا، لا بل هي ضروريّة للمضيِّ قدمًا.
تابع البابا فرنسيس يقول إنَّ الخطوة الثانية بعد الإصغاء لمرافقة مسيرة الإيمان هي الاقتراب. لننظر إلى يسوع الذي لا ينتدب أحدًا من الجمع الذي كان يتبعه بل يلتقي برطيماوس شخصيًّا ويقول له: “ماذا تُريدُ أَن أَصنَعَ لَكَ؟”. ماذا تريد: يسوع يتماثل ببرطيماوس ولا يستبعد انتظاراته؛ ماذا تريدني أن أصنع: وبالتالي لا أن نتكلّم وحسب؛ لك: أي ليس بحسب أفكار مسبقة تتناسب مع أيٍّ كان وإنما لك أنت وفي وضعك. هكذا يتصرّف الله يلتزم شخصيًّا وبمحبّة مميّزة لكل شخص. وفي طريقة تصرّفه يمرّر رسالته: فيُزهر الإيمان هكذا في الحياة.
أضاف الأب الأقدس يقول إن الإيمان يمرُّ عبر الحياة. عندما يتركَّز الإيمان فقط في الصيغ العقائديّة يُخاطر في أن يُحدِّث العقل فقط بدون أن يلمس القلب. وعندما يتركَّز فقط في العمل يخاطر في أن يصبح مبادئ أخلاقية ويتحوّل إلى مجرّد عيش اجتماعي. لكن الإيمان هو حياة: هو أن نعيش محبّة الله الذي غيّر لنا حياتنا. لا يمكننا أن نكون متمسّكين بالعقائد فقط أو أعضاء عاملين وحسب، بل نحن مدعوون لنحمل قدمًا عمل الله وبحسب أسلوب الله أي من خلال القرب: متمسِّكين به وفي شركة فيما بيننا وقريبين من الإخوة. القرب: هذا هو السرُّ لنقل جوهر الإيمان وليس أي جانب ثانوي آخر.
تابع البابا فرنسيس يقول الاقتراب هو حمل حداثة الله إلى حياة الأخ، إنّه الترياق ضدَّ تجربة الوصفات الجاهزة. لنسأل أنفسنا إذًا إن كنا مسيحيين قادرين على الاقتراب من الآخرين وعلى الخروج من حلقاتنا لنعانق الذين ليسوا منا والذين يبحث الله عنهم. هناك على الدوام تجربة نجدها في الكتاب المقدّس: التملُّص. وهذا ما فعله الجمع في إنجيل اليوم؛ وهذا ما فعله قايين مع هابيل، وهذا ما سيفعله أيضًا بيلاطس مع يسوع: سيغسل يديه. أما نحن فنريد أن نتشبّه بيسوع وعلى مثاله نريد أن نلتزم ونأخذ الأمور على عاتقنا. هو الطريق لبرطيماوس الذي كان قد توقّف على الطريق، وهو نور العالم الذي انحنى على الأعمى. لنعترف أنَّ الرب قد التزم مع كلِّ فرد منا، وإذ نوجِّه انظارنا نحو الصليب لننطلق مجدّدًا من هناك من تذكّرنا بأن الله قد أصبح قريبي في الخطيئة والموت. لقد أصبح قريبي وكلُّ شيء يبدأ من هناك. وعندما محبّةً به نقترب بدورنا من الآخرين نصبح حاملي حياة جديدة: لا معلّمين للجميع أو خبراء في الأمور المقدّسة وإنما شهود للمحبّة التي تُخلِّص.
أضاف الأب الأقدس يقول وبالتالي فالخطوة الثالثة هي الشهادة. لننظر إلى التلاميذ الذين يدعون برطيماوس: لم يذهبوا إليه، هو الذي كان يستعطي، ليهدّؤوه بالمال أو ليوزعوا النصائح؛ بل ذهبوا باسم يسوع؛ وفي الواقع وجّهوا له ثلاث كلمات وكلها من يسوع: “تَشَدَّد وَقُم! فَإِنَّهُ يَدعوك”. وحده يسوع في الإنجيل يقول تشدّد! لأنّه وحده الذي يقيم القلب. وحده يسوع في الإنجيل يقول قُم، ليشفي الروح والجسد. وحده يسوع يدعو ويغيِّر حياة من يتبعه فيُنهِضَ من هو أرضًا ويحمل نور الله إلى ظلمات الحياة. إنّ العديد من الأبناء والعديد من الشباب، على مثال برطيماوس، يبحثون عن نور في الحياة، يبحثون عن حبٍّ حقيقي؛ وعلى مثال برطيماوس بالرغم من وجود العديد من الأشخاص يطلبون يسوع فقط؛ هم أيضًا يطلبون الحياة ولكنّهم غالبًا ما يجدون وعودًا كاذبة وقليلون هم الذين يهتمّون بهم بالفعل.
تابع البابا فرنسيس يقول ليس أمرًا مسيحيًّا أن ننتظر أن يقرع الإخوة المحتاجون على أبوابنا؛ بل علينا أن نذهب إليهم لا حاملين إليهم أنفسنا بل يسوع. هو يرسلنا، كأولئك التلاميذ، لنشدّد ونقيم باسمه. يرسلنا لنقول لكلِّ شخص: “إن الله يطلب منك أن تسمح له بأن يحبّك”. كم من مرّة بدلاً من رسالة الخلاص المُحرِّرة هذه حملنا أنفسنا و”وصفاتنا” و”تعريفاتنا” في الكنيسة! كم من مرّة وبدلاً من كلمات الرب بعنا أفكارنا على أنّها كلماته! كم من مرّة يشعر الناس بثقل مؤسساتنا أكثر من حضور يسوع الصديق! فنتحوّل عندها إلى منظّمة غير حكوميّة لا إلى جماعة مُخلَّصين يعيشون فرح الرب.
وختم الأب الأقدس عظته بالقول إصغاء، إقتراب وشهادة. إنَّ مسيرة الإيمان في الإنجيل تنتهي بشكل جميل ومُدهش، بيسوع القائل: “إِذهَب! إيمانُكَ خَلَّصَكَ”. بالرغم من أن برطيماوس لم يقم بأي إعلان إيمان ولم يقم بأي عمل بل طلب الرحمة وحسب. إنَّ الشعور بالحاجة للخلاص هو بداية الإيمان، إنّه الدرب المباشرة للقاء يسوع. إنَّ الإيمان الذي خلّص برطيماوس لم يكن في أفكاره الواضحة عن الله وإنما في البحث عنه والرغبة في لقائه؛ والإيمان هو مسألة لقاء وليس نظريّة. في اللقاء يمرُّ يسوع، وفي اللقاء يخفق قلب الكنيسة. وبالتالي فالعظات ليست فعّالة وإنما شهادة حياتنا. ولذلك لكم جميعًا أنتم الذين شاركتم في هذا “السير معًا” أقول شكرًا على شهادتكم. لقد عملنا في شركة وبصدق وبالرغبة في خدمة الله وشعبه. ليبارك الرب خطواتنا لكي نتمكّن من الإصغاء للشباب ونقترب منهم ونقدّم لهم شهادة عن فرح حياتنا: يسوع.
فاتيكان نيوز