احتفل البابا فرنسيس بالقداس في بازيليك القديس بطرس بالفاتيكان لمناسبة عيد الدنح وألقى عظة استهلها بآية من إنجيل القديس متى البشير “أَينَ مَلِكُ اليهودِ الَّذي وُلِد؟ فقَد رأَينا نَجمَه في المَشرِق، فجِئْنا لِنَسجُدَ لَه” (متى 2، 2). قال البابا: يكشف لنا المجوس، والذين جاؤوا من أرض بعيدة، عبر هذه الكلمات، سببَ سفرهم الطويل: السجود للملك المولود. رؤية وسجود. لقد رأى هؤلاء الرجال نجمة دفعتهم للسير. فقاد اكتشافُ أمرٍ غير اعتيادي إلى مجموعة واسعة من الأحداث. كان قلبهم منفتحا على الأفق وبإمكانهم رؤية ما كان يُظهره الفلك لأنه كانت هناك رغبة تدفعهم.
يعبّر المجوس بهذه الطريقة عن صورة الرجل المؤمن، الرجل الذي يحنّ إلى الله؛ لمَن يشعر بشوق إلى بيته، إلى الوطن السماوي. إنهم يعكسون صورة جميع الرجال الذين لم يسمحوا، في حياتهم، بأن يتخدّر قلبهم. إن الحنين المقدّس إلى الله ينبع من قلب مؤمن لأنه يعرف أن الإنجيل ليس حدثا من الماضي إنما من الحاضر. الحنين المقدّس إلى الله يسمح بأن نبقي أعيننا مفتوحة أمام جميع محاولات الحدّ من الحياة وإفقارها.
فحنين الله يُخرِجنا من أسوارنا التحديدية، الأسوار التي توحي إلينا بأن لا شيء يمكن أن يتغيّر. الحنين إلى الله هو الموقف الذي يكسر الانسياق المملّ ويدفع إلى الالتزام بذاك التغيير الذي نتوق إليه ونحتاجه. إن جذور الحنين إلى الله تعود إلى الماضي ولكنها لا تتوقّف عند هذا الحد: فهي تذهب للبحث عن المستقبل. المؤمن “الممتلئ بالحنين”، مدفوع بإيمانه، يذهب للبحث عن الله، مثل المجوس، في الأماكن النائية من التاريخ، لأنه يعلم، في قلبه، أن الربّ ينتظره هناك.
وكموقف معاكس، في قصر هيرودس، لم يدركوا ما كان يحدث. بينما كان المجوس يسيرون، كانت أورشليم نائمة. كانت نائمة بتواطؤ مع هيرودس الذي، بدل أن يبحث، كان نائمًا. كان نائمًا تحت تخدير ضميرٍ أصابه الكيّ. وقد بقي متحيّرا. واعتراه الخوف. إنها الحيرة التي، إزاء الجديد الذي يحدث ثورة في التاريخ، تنغلق في ذاتها، وفي نتائجها، وفي معرفتها، وفي نجاحاتها.
لقد أتى هؤلاء الرجال من المشرق كي يعبدوا، وجاءوا للقيام بذلك في المكان الذي يليق بالملك: القصر. هناك بدأت الجرأة الأصعب والأكثر تعقيدا. الاكتشاف بأن ما كانوا يبحثون عنه لم يكن في القصر، إنما في مكان آخر، ليس فقط جغرافيا إنما وجدانيا. هناك رأوا النجمة التي قادتهم إلى اكتشاف إله يريد أن يكون محبوبا، وهذا ممكن فقط تحت راية الحرية وليس تحت راية الاستبداد؛ اكتشاف أن نظرة الله تقيم، وتصفح، وتشفي.
لقد شعر المجوس بالحنين، ولا يريدون الأشياء المعتادة. كانوا معتادين على “هيرودسات” زمنهم ومدمنين عليهم ومتعبين منهم. إنما في بيت لحم، كان هناك وعدٌ بالتجديد، وعدٌ بالمجانية. كان أمرٌ جديدٌ يحدث هناك. وقد استطاع المجوس أن يسجدوا لأنه كانت لهم الشجاعة للسير، فاكتشفوا، إذ انحنوا أمام الصغير، انحنوا أمام الفقير، انحنوا أمام العاجز، انحنوا أمام طفل بيت لحم غير العادي والمجهول، اكتشفوا مجدَ الله.
إذاعة الفاتيكان
الوسوم :البابا فرنسيس يحتفل بالقداس في البازيليك الفاتيكانية لمناسبة عيد الدنح