في ختام زيارته الرسولية إلى موريشيوس التقى قداسة البابا فرنسيس بعد ظهر اليوم الاثنين في القصر الرئاسي في العاصمة بورت لويس السلطات والسلك الدبلوماسي والمجتمع المدني في هذا البلد، وذلك عقب قيام قداسته بزيارة مزار الطوباوي جاك ديزيريه لافال ثم زيارة مجاملة إلى رئيس البلاد ولقاء مع رئيس الوزراء. بدأ البابا كلمته موجها التحية لسلطات موريشيوس والشكر على دعوته إلى زيارة هذا البلد، كما وشكر رئيس الوزراء ورئيس البلاد على كلمتيهما. ثم حيا قداسته أعضاء الحكومة وممثلي المجتمع المدني والسلك الدبلوماسي، وأراد من جهة أخرى توجيه التحية والشكر إلى ممثلي الطوائف المسيحية والأديان الأخرى.
أعرب البابا فرنسيس بعد ذلك عن سعادته لتمكنه خلال هذه الزيارة القصيرة من لقاء شعب موريشيوس المميز لا فقط بتعدد الثقافات والإثنيات والأديان، بل وأيضا بالجمال المنطلق من القدرة على الاعتراف بالاختلافات واحترامها وتحقيق تناغم بينها من أجل مشروع مشترك. وذكّر قداسته أن هذا ما ميز تاريخ هذا الشعب الذي هو نتاج وصول مهاجرين من مناطق وقارات مختلفة حاملين تقاليدهم وثقافاتهم ودياناتهم، تعلَّموا الاغتناء باختلافات الآخرين والعثور على طريقة للعيش معا ساعين إلى بناء أخوّة متنبهة إلى الخير العام. وتابع البابا فرنسيس متحدثا عن قوة صوت هذا البلد في التذكير بأنه من الممكن بناء سلام دائم انطلاقا من القناعة بأن “الاختلاف جميل عندما يرضى الدخول دوما في مسار مصالحة يقضي إلى إبرام نوع من عهد ثقافي يولِّد “اختلافا متصالحا””. (راجع الإرشاد الرسولي “فرح الإنجيل” 230). وأكد قداسته أن هذا هو الأساس والفرصة لبناء شركة حقيقية داخل العائلة البشرية الكبيرة بدون تهميش أو استبعاد أو نبذ. وواصل البابا فرنسيس مشجعا، وفي أمانة لجذور هذا البلد، على قبول تحدي استقبال وحماية المهاجرين الذين يأتون إلى هنا بحثا عن عمل وظروف حياة أفضل لهم ولعائلاتهم.
ثم انتقل البابا فرنسيس إلى الحديث عما وصفه بتقليد ديمقراطي جدير بالتقدير في تاريخ موريشيوس الحديث عقب استقلالها، ساهم في جعل هذه الجزيرة واحة سلام. وأعرب قداسته عن الرجاء في تنمية وتطوير أسلوب الحياة الديمقراطية هذا وذلك بمحاربة كل أشكال التمييز. ثم ذكّر الحبر الأعظم بما كتب في رسالته لمناسبة اليوم العالمي للسلام 2019: “فالحياة السياسية الأصيلة، القائمة على القانون وعلى الحوار الأمين بين الأشخاص، تتجدد عبر القناعة بأن كل امرأة، وكل رجل، وكلّ جيل، يملك في ذاته، وعدًا يمكن أن يطلق طاقات جديدة عقلية، وفكرية، وثقافية، وروحية”. ووجه البابا بالتالي الكلمة إلى العاملين في الحياة السياسية مشيرا إلى أن بإمكانهم أن يكونوا مثالا وخاصة بالنسبة للشباب، وأن يُبرزوا ومن خلال تصرفاتهم ومحاربة الفساد بأشكاله المختلفة قيمة الالتزام من أجل الخير العام، وأن يكونوا موضع ثقة المواطنين.
توقف الأب الأقدس بعد ذلك عند التنمية الاقتصادية القوية في موريشيوس منذ الاستقلال وهو أمر يدعو إلى الفرح ولكن إلى اليقظة أيضا، حيث لا يكون النمو الاقتصادي دائما، في الإطار الحالي، منفعة للجميع، بل يترك جانبا بعض الأشخاص وخاصة من الشباب. ولهذا، تابع الأب الأقدس، أريد تشجيعكم على تطوير سياسة اقتصادية تركز على الأشخاص، قادرة على تسهيل توزيع أفضل للمداخيل وخلق فرص عمل وتعزيز متكامل للفقراء (راجع الإرشاد الرسولي “فرح الإنجيل 204). دعا الأب الأقدس أيضا إلى عدم الاستسلام أمام تجربة نظام اقتصادي يضحي بالحياة البشرية من أجل الربح والمضاربة، اقتصاد يركز على الكسب الفوري على حساب حماية الفقراء والبيئة ومواردها. هذا وأراد البابا فرنسيس في هذا السياق التذكير بدعوة الكاردينال موريس بيات لمناسبة الاحتفال بالذكرى الخمسين لاستقلال موريشيوس إلى ارتداد إيكولوجي متكامل يهدف لا فقط إلى تفادي ظواهر مناخية رهيبة أو كوارث طبيعية كبيرة، بل وأيضا إلى تشجيع تغيير في أساليب الحياة وذلك كي يأتي النمو الاقتصادي بمنافعه على الجميع وبدون خطر التسبب في كوارث إيكولوجية أو أزمات اجتماعية خطيرة.
ثم أعرب البابا فرنسيس عن تثمينه لتعاون الأديان المختلفة في موريشيوس، بهوياتها، للإسهام في السلام الاجتماعي والتذكير بالقيمة السامية للحياة. وأراد قداسته في هذا السياق التأكيد على استعداد الكاثوليك في موريشيوس لمواصلة مشاركتهم في هذا الحوار المثمر الذي طبع بقوة تاريخ هذا الشعب، وشكر قداسة البابا على هذه الشهادة.
وفي ختام كلمته خلال لقائه السلطات والسلك الدبلوماسي والمجتمع المدني في قصر الرئاسة في بورت لويس عاصمة موريشيوس، شكر قداسة البابا فرنسيس الجميع على استقبالهم الحار راجيا من القلب أن يبارك الله شعب موريشيوس وكل الجهود المبذولة لتشجيع اللقاء بين الثقافات والحضارات والتقاليد الدينية المختلفة من أجل مجتمع عادل لا ينسى أبناءه، وخاصة أكثرهم عوزا. وتضرع الأب الأقدس كي تواصل محبه الله ورحمته مرافقة الجميع وحمايتهم.
أخبار الفاتيكان