زار قداسة البابا فرنسيس رعيّة تور دي سكيافي في ضواحي روما، وكان أول لقاء له في باحة كنيسة الرعيّة مع أطفال التعليم المسيحي وأهاليهم ومربّيهم أجاب خلاله الأب الأقدس على بعض الأسئلة التي وجّهوها له. في جوابه على سؤال حول كيفيّة إقناع الأهل بمرافقة أبنائهم باستمرار في مسيرة الإيمان وعدم تركهم لوحدهم شدّد الحبر الأعظم على أهميّة الأجداد الذين لا زال العالم يضعهم على لائحة الأمور التي يتمُّ إقصاءها فيما هم يشكّلون كنزًا للكنيسة والمجتمع، وأشار إلى أنّه فقط من خلال تكلُّم لغة الحب في البيت يمكننا أن نبني روابط ثابتة. كما أكّد البابا على أهميّة اللعب والتحدث مع الأبناء لأنّهما يشكّلان الفيتامين الضروري لكي ينموا أقوياء وأصحّاء. وشدّد الأب الأقدس في هذا السياق على أنَّ لغة الحب هي التي تنقل القيم والإيمان في العائلة وأنَّ ما يتعلّمه المرء في عائلته لا يمكنه تعلّمه في أي مكان آخر.
تابع البابا فرنسيس مجيبًا على سؤال حول الموقف الذي ينبغي على الكهنة والأساقفة أن يتحلّوا به إزاء الشباب الذي يجدون صعوبة في الاندماج في الرعيّة وقال هناك فضيلة ينبغي أن تكون لدى جميع الكهنة، وموقف عليهم أن يتحلّوا به وهما القرب. قد يقول أحدكم “هذا ما يقوله علم النفس!” لا! لقد قاله الله الآب نفسه عندما أراد أن يكون ابنه قريبًا منا. يسوع هو الله القريب منا. ونحن رسل يسوع علينا أن نسير في هذه الدرب، إذ لا يتمُّ التبشير بالإنجيل بالكلمات والبراهين وإنما بالقرب والشهادة والصدق.
أضاف الحبر الأعظم مجيبًا على تمنّي شابة فقدت والدها منذ سنتين ولكنها وجدت في الرعية عائلة جديدة وتريد أن يتمكن جميع الشباب أن يختبروا كنيسة المحبّة كما اختبرتها هي أيضًا؛ وأكّد البابا في هذا السياق أنّ من الممكن أحيانًا أن يكون الرعاة أو العلمانيون الذين يعملون في الكنيسة مملّين. وأضاف في الحقيقة، إنَّ فرح الإنجيل وحده هو الذي يصنع الفرق لا العظات ولا الكلمات لأنَّ الكنيسة لا تنمو بالاقتناص وإنما بالجذب، بجاذبيّة الشهادة، فنحن لسنا فريق كرة قدم وإنما تلاميذ ليسوع يسعون للعيش بحسب ما يقوله لنا الإنجيل وهذا الأمر يولِّد الفرح على الدوام، وهذا ما كان يحصل في بداية الكنيسة، لأنّ الفرح هو شرط لعيش الإنجيل.
بعدها انتقل الأب الأقدس إلى صالون الكنيسة حيث التقى بالمرضى والمسنّين وباركهم ووجه لهم كلمة وصفهم فيها بأنّهم ما يجعل شجرة الكنيسة تزهر لأنّهم يعرفون كيف ينقلون الجذور وقال أنتم تنقلون الإيمان وتنقلون الحكمة؛ أنتم غنى الكنيسة وحماتها. إن المجتمع المعاصر يسعى جاهدًا ليجعلكم تعتقدون بأنَّ زمنكم قد ولّى وأنّه لم يعد لديكم قيمة وأنّكم مجرّد فضلات: هذه كلها أكاذيب!
واختتم البابا فرنسيس زيارته إلى رعيّة تور دي سكيافي محتفلاً بالقداس الإلهي في كنيسة الرعيّة حيث ألقى عظة للمناسبة قال فيها: “اثبتوا في محبّتي” هذه هي الوصيّة التي يعطيها يسوع لتلاميذه قبل أن يتألّم ويموت، وهي الوصيّة التي يعطيها لنا ولكلِّ فرد منا. ودعا الجميع للتأمّل حول المعنى الحقيقي للمحبّة التي تظهر في ما صنعه يسوع من أجلنا وقال نريد أن نفكِّر حول ما هو الحب؟ قد يقول لي أحدكم: “نعم! لقد رأيت مسلسلاً حول الحب وكان جميلاً… يتحدّث عن قصّة حبيبين ولكنه انتهى بشكل حزين للأسف!” لا الحب ليس ما تخبرنا عنه الأفلام؛ الحب هو شيء آخر. الحب هو تحمّل مسؤوليّة الآخرين، وبالتالي ليس مجرّد أمر رومانسي لا! الحب هو عمل! فكّروا بأمهاتكم، وكيف تحب الأم أولادها؛ بالعمل من أجلهم والعناية بهم… المحبّة هي على الدوام عمل من أجل الآخرين لأنَّ الحب يظهر في الأعمال وليس في الأقوال.
إنَّ المحبّة تكمن في الأعمال تابع الأب الأقدس يقول وحث الجميع في هذا السياق على أن يسأل كلٌّ نفسه: “ماذا أفعل من أجل الآخرين؟” في العائلة هل تحب أبناءك؟ أكانوا صغارًا أم كبارًا؛ هل تحب والديك؟ هل تحب أجدادك؟ ماذا تفعل من أجلهم؟ هكذا يمكننا أن نتأكّد إن كنا نحب فعلاً بهذين السؤالين: “هل أحب؟ ماذا أفعل؟” وفي هذا الإطار يمكن أن تساعدنا لنفتح عيوننا جملة من القراءة الثانية التي تقدّمها لنا الليتورجيّة اليوم من رسالة القديس يوحنا الأولى والتي تؤكِّد لنا أن المحبّة هي دائمًا في الطليعة: “ظَهَرَت مَحبَّةُ اللهِ بَينَنا، بأَنَّ أَرسَلَ ابنَه الوَحيدَ إِلى العالَم لِنَحْيا بِه. تِلكَ هي المَحبة: نَحنُ لَم نُحِبُّ الله، بل هو الَّذي أَحَبَّنا وأَرسَلَ ابنَه كَفَّارةً لِخَطايانا”.
وختم البابا فرنسيس عظته مقدّمًا تعليمات أخرى للثبات في المحبّة وقال إن تمكّن الأشخاص في هذه الرعيّة من عدم التكلّم بالسوء عن بعضهم البعض فسيستحقون التقديس جميعًا، فكّروا بهذا الأمر! هذا ما أقوله دائمًا: اجتهدوا لكي لا تتكلّموا بالسوء عن الآخرين؛ قد يطلب مني أحدكم قائلاً: “أعطنا إذًا يا أبتي وصفة لكي لا نتكلّم بالسوء عن الآخرين” إنه أمر سهل جدًّا وبمتناول الجميع! في كلِّ مرّة تشعر بالرغبة في التكلّم بالسوء عن الآخرين، عضَّ لسانك فسينتفخ وبالتأكيد لن تتكلم بالسوء عن أحد بعد الآن. بعد العظة، وفي جوٍّ مؤثِّرٍ جدًّا، منح البابا فرنسيس سرَّ التثبيت لطفلة اسمها مايا عمرها اثنتي عشرة سنة وهي مصابة بورم خبيث ولأمها باولا.
إذاعة الفاتيكان