زار قداسة البابا فرنسيس سجن “CeReSo” لإعادة التأهيل الاجتماعي وللمناسبة ألقى الأب الأقدس كلمة قال فيها: خلال زيارتي إلى أفريقيا في مدينة بانغي تمكنت من فتح أول باب للرحمة للعالم بأسره، واليوم أرغب أن أؤكد معكم مرة أخرى على الثقة التي يشجعنا يسوع على التحلي بها: الرحمة التي تعانق الجميع وفي جميع أنحاء العالم.
تابع الأب الأقدس يقول إن الاحتفال بيوبيل الرحمة معكم هو تذكُّر للمسيرة المُلِحَّة التي ينبغي علينا اتخاذها لنكسر الحلقات المفرغة للعنف والإجرام. لقد أضعنا عشرات السنين معتقدين أن كل شيء يُحلُّ بواسطة العزل والفصل. لقد نسينا أن نركز على ما ينبغي عليه أن يقلقنا حقًا: حياة الأشخاص وحياة عائلاتهم وحياة الذين يتألمون بسبب هذه الحلقات المفرغة.
أضاف الحبر الأعظم يقول تذكرنا الرحمة الإلهية أن السجون هي دليل للمجتمع الذي نحن عليه، وفي أغلب الأحيان هي دلائل صمت وإهمال تسببها ثقافة الإقصاء. إنها إشارة لمجتمع يترك أبناءه. تذكِّرنا الرحمة أن إعادة التأهيل لا تبدأ داخل هذه الجدران وإنما تبدأ أولاً خارجًا في شوارع المدينة. إعادة الإدماج أو إعادة التأهيل تبدأ من خلال خلق نظام يمكننا تسميته نظام صحة اجتماعية، أي مجتمع يسعى لكي لا يمرض و”يلوّث” العلاقات في الأحياء والمدارس والشوارع. نظام صحة اجتماعية يولِّد ثقافة فعالة تسعى للوقاية من هذه الأوضاع والسُبُل التي تنتهي بجرح النسيج الاجتماعي وإفساده.
تابع البابا فرنسيس يقول إن اهتمام يسوع بالجائعين والعطاش والمسجونين هو تعبير عن أحشاء رحمة الآب كما وبالتالي يصبح واجب أخلاقي للمجتمع الذي يرغب بأن يقدّم أوضاع ضروريّة من أجل تعايش أفضل. ففي قدرة المجتمع على إدماج فقرائه ومرضاه ومساجينه تكمن الإمكانية لهم لشفاء جراحهم وليكونوا بناة تعايش صالح. إن إعادة الإدماج الاجتماعي تبدأ بتردُّد أبنائنا إلى المدرسة وتأمين عمل كريم لعائلاتهم؛ وبخلق فسحات عامة لأوقات الفراغ والراحة.
أضاف الحبر الأعظم يقول إن الاحتفال بيوبيل الرحمة معكم يعني ألا نبقى سجناء الماضي والأمس، وأن نتعلّم أن نفتح الباب على المستقبل والغد ونؤمن أن الأمور بإمكانها أن تكون مختلفة. إن الاحتفال بيوبيل الرحمة معكم هو دعوتكم لترفعوا رؤوسكم وتعملوا لتنالوا فسحة الحريّة التي ترغبون بها. نعلم أنه ليس بإمكاننا ألعودة إلى الوراء وبأن ما تمّ القيام به لا يمكن محوه، لذلك أردت أن أحتفل بيوبيل الرحمة معكم لأن هذا الأمر يعني إمكانية كتابة تاريخ جديد من اليوم فصاعدًا. أنتم تتألّمون بسبب السقطات وتشعرون بالندامة على أفعالكم وتسعون لإعادة بناء حياتكم، لقد اختبرتم قوّة الألم والخطيئة ولكن لا تنسوا أنّكم تملكون أيضًا قوّة القيامة، قوّة الرحمة الإلهيّة التي تجدّد جميع الأشياء. إلتزموا إذا بدء من هنا لتقلبوا الأوضاع التي تولّد المزيد من الإقصاء والتهميش. تحدّثوا عن خبراتكم مع أحبائكم وساهموا في إيقاف الحلقات الفارغة للعنف والإقصاء. إن الذي تألّم بعمق و”اختبر الجحيم” كما يمكننا القول، بإمكانه أن يصبح نبيًّا في مجتمعه.
تابع البابا فرنسيس يقول وإذ أقول لكم هذه الأمور أتذكّر كلمات يسوع: “من منكم بلا خطيئة فليرجمها بأول حجر” وبالتالي أشعر بأنه ينبغي علي أن أرحل أن أيضًا. إذ أقول لكم هذه الكلمات لا أقولها كمن يعلّم وإنما انطلاقًا من خبرة جراحي وخطاياي التي غفرها لي الرب وهذّبها. أقول لكم هذه الكلام مدركًا أنه بدون نعمته وسهري سأعود لأكرِّرها، أيّها الإخوة أسأل نفسي على الدوام عندما أزور سجنًا ما: “لماذا هم ولا أنا؟” إنه سرّ الرحمة الإلهيّة؛ وهذه الرحمة الإلهيّة هي التي نحتفل بها اليوم جميعًا ناظرين إلى الأمام برجاء.
وختم البابا فرنسيس كلمته بالقول أريد أن أشجع جميع العاملين في هذا المركز والمرشدين والمكرّسين الذين يتكرّسون ليحافظوا على رجاء إنجيل الرحمة حيًّا في السجن. إليكم جميعًا أقول لا تنسوا أنه بإمكانكم أن تكونوا علامات لأحشاء الآب وبأننا بحاجة لبعضنا البعض لنسير إلى الأمام.
إذاعة الفاتيكان