استقبل قداسة البابا فرنسيس في القصر الرسولي بالفاتيكان أعضاء الاتحاد الدولي لمنظمات الأطباء الكاثوليك وللمناسبة وجّه الأب الأقدس كلمة رحّب بها بضيوفه وقال لقد قدّمت الجماعات المسيحية الرب يسوع غالبًا كـ “طبيب” مسلِّطةً الضوء على الاهتمام الدائم والمفعم بالشفقة الذي كان يحمله للذين يتألّمون بسبب جميع أنواع الأمراض. لقد كانت مهمّته تقوم أولاً على الاقتراب من المرضى أو الذين يعانون من إعاقة ما ولاسيما من الذين كانوا يتعرّضون للاحتقار والتهميش بسبب مرضهم. بهذا الشكل كان يسوع يكسر حكم الإعدام الذي غالبًا ما كان يصنِّفُ المريض كخاطئ؛ ومن خلال هذا القرب الشفوق كان يُظهر محبّة الله الآب اللامتناهية لأبنائه الأشدّ عوزًا.
تابع الحبر الأعظم يقول إنّ العناية بالمرضى تظهر كإحدى الأبعاد المؤسِّسة لرسالة المسيح، ولذلك بقيت كذلك أيضًا في رسالة الكنيسة. من الواضح في الأناجيل أيضًا الرابط العميق بين بشارة يسوع وتصرّفات الشفاء التي يقوم بها من أجل “المَرْضى المُصابينَ بِمُختَلِفِ العِلَلِ والأَوجاع: مِنَ المَمْسوسينَ والَّذينَ يُصرَعونَ في رَأسِ الهِلال والمُقعَدينَ”. مهمٌّ أيضًا الأسلوب الذي من خلاله يهتّم يسوع بالمرضى والمتألّمين. فهو غالبًا ما يلمس هؤلاء الأشخاص ويسمح لهم أن يلمسوه حتى في الحالات الممنوعة. هكذا يفعل على سبيل المثال مع المرأة المنزوفة: لقد شعر بأنَّ أحدًا لمسه، أحسّ بقوّة شافية خرجت منه، وعندما جاءت راجِفَةً فارتَمَت على قَدَمَيه، وذَكَرَت ما فعلته قالَ لها: “يا ابنَتي، إِيمانُكِ خلَّصَكِ، فاذهَبي بِسَلام”.
أضاف الأب الأقدس يقول إن الشفاء بالنسبة ليسوع يعني الاقتراب من الشخص، حتى وإن كان هناك بعض الذين يريدون أن يمنعوه، كما في حالة الأعمى برطيماوس في أريحا؛ إذ دعاه يسوع وسأله: “ماذا تُريدُ أَن أَصنَعَ لكَ؟”. قد يدهشنا أن يسأل الطبيب الشخص المتألّم ماذا يريده أن يصنع له، لكنَّ هذا الأمر يسلّط الضوء على قيمة الكلمة والحوار في علاقة الشفاء. إن الشفاء بالنسبة ليسوع يعني الدخول في حوار لإظهار رغبة الكائن البشري وقوّة محبة الله العذبة العاملة في الابن. لأن العلاج يعني البدء في مسيرة: مسيرة تخفيف للألم والتعزية والمصالحة والشفاء.
تابع البابا فرنسيس يقول وفي الختام يرتبط شفاء يسوع بإعادة إنهاض الشخص وإرسال الذي قد اقترب منه وشفاه. كثيرون هم المرضى الذين وبعد أن شفاهم المسيح أصبحوا تلاميذه وأتباعه. إذا فيسوع يقترب ويعتني ويشفي، يصالح ويدعو ويرسل، وفي هذه المدرسة ليسوع الطبيب والأخ للمتألمين أنتم مدعوون أيها الأطباء المؤمنين به وأعضاء كنيسته. أنتم مدعوون لتقتربوا من الذين يمرّون بلحظات تجربة بسبب المرض. أنتم مدعوون لإعطاء العلاج برقي واحترام لكرامة وسلامة الأشخاص النفسية والجسدية. أنتم مدعوون للأصغاء بانتباه لكي تُجيبوا بكلمات مناسبة ترافق مرحلة العناية والعلاج وتجعلها أكثر إنسانية وبالتالي أكثر فعالية أيضاً. أنتم مدعوون لكي تشجّعوا وتعزّوا وتُنهضوا وتعطوا الرجاء. لا يمكننا أن نعطي العلاج بدون رجاء، ولذلك نحن جميعنا معووزون وممتنّون لله الذي يعطينا الرجاء، وإنما ممتنّون أيضًا تجاه الذين يعملون في إطار البحث الطبي.
أضاف الأب الأقدس يقول مهمتكم هي في الوقت عينه شهادة إنسانية، وأسلوب مميّز لنجعلهم يرون ويشعرون أنَّ الله أبانا يعتني بكل شخص بمفرده وبدون تمييز. ولذلك هو بحاجة أيضا لمعرفتنا وأيدينا وقلوبنا من أجل علاج وشفاء كل شخص بشري لأنه يريد أن يعطي الحياة والمحبّة لكل شخص. وهذا الأمر يتطلَّب منكم الكفاءة والصبر والقوة الروحية والتضامن الاخوي.
وختم البابا فرنسيس كلمته لأعضاء الاتحاد الدولي لمنظمات الأطباء الكاثوليك بالقول إذ تجدِّدون أنفسكم باستمرار وتستقون من ينابيع كلمة الله والأسرار، ستتمكّنون من القيام برسالتكم بشكل جيد؛ وسيعطيكم الروح القدس عطية التمييز لتواجهوا الأوضاع المعقدة والهشة، ولتقولوا الكلمات الصحيحة بالشكل الصحيح. أيها الإخوة والأخوات الأعزاء أعرف ما تقومون به، ولكنني أحثكم على الصلاة من أجل اللذين تعتنون بهم ومن أجل زملائكم في العمل. ولا تنسوا أن تصلوا من أجلي أيضًا.
اخبار الفاتيكان