استقبل قداسة البابا فرنسيس في القصر الرسولي المشاركين في المنتدى العالمي للمنظمات غير الحكومية الكاثوليكية. وفي بداية كلمته رحب الأب الأقدس بممثلي الكرسي الرسولي لدى المنظمات الدولية وممثلي ومديري المنظمات غير الحكومية الكاثوليكية شاكرا الجميع على مجيئهم من بلدان مختلفة لتبادل الخبرات والأفكار حول موضوع الدمج. وتابع قداسته متحدثا بالتالي عن جهودهم الساعية إلى نقل شهادة ملموسة من أجل تشجيع استقبال ودمج الأشخاص الأكثر ضعفا وجعل العالم بيتا مشتركا، مضيفا أنهم يقومون بتلك الجهود انطلاقا من خبراتهم على أرض الواقع وأيضا في مجال السياسة الدولية.
ثم أشار البابا فرنسيس إلى حرص كثيرين من ضيوفه على التواجد الفعلي في الأماكن التي يدور فيها النقاش حول حقوق الإنسان وظروف المعيشة، التربية والتنمية وغيرها من مواضيع اجتماعية. وقال قداسته إنهم يطبقون هكذا ما أكده المجمع الفاتيكاني الثاني، أي وجود الكنيسة في العالم وعيشها فيه والتعامل معه وذلك حسب ما جاء في الدستور الرعائي في الكنيسة في عالم اليوم “فرح ورجاء”. ذكَّر قداسته أيضا بتطرق هذه الوثيقة إلى تعاون المسيحي مع المؤسسات الدولية حيث جاء فيه: “تستطيع الجمعيات الكاثوليكية الدولية المتنوعة، أن تؤدي خدمات متعددة لبنيان جماعة عالمية، تنشر السلام والأخوّة. فيجب إذاً دعمها، بأشخاص أوفر عدداً وكفاءة، وبمضاعفة الوسائل المادية التي تفتقر إليها، وتنسيق قواها تنسيقاً متناغماً. ففي أيامنا تقتضي فاعلية العمل وضرورة الحوار، مبادرات جماعية” (90).
وانطلاقا من آنية هذه الفكرة أراد البابا فرنسيس التوقف عند ثلاثة عوامل، فتحدث أولا عن التنشئة مؤكدا الحاجة، وأمام العالم المركب والأزمة الأنثروبولوجية التي نعيشها، إلى شهادات حياة يمكنها أن تثير حوارا وتأملا إيجابيَّين حول الكرامة البشرية. وأضاف البابا أن هذه الشهادة تتطلب أمرين هما أولا الإيمان والثقة في كوننا أدوات لعمل الله في العالم. أما الأمر الثاني فهو ضرورة التحلي بالتأهل الملائم في المواد العلمية والإنسانية وذلك للتمكن من تقديمها من وجهة النظر المسيحية. وقال قداسة البابا أن العقيدة الاجتماعية للكنيسة تقدم إطار المبادئ الكنسية المناسبة لحدمة البشرية بشكل أفضل. ودعا قداسته بالتالي الحضور إلى معرفة العقيدة الاجتماعي جيدا وأن يتكونوا فيها كي يتمكنوا من ترجمتها في مشاريعهم. وشدد البابا فرنسيس في هذا السياق على أهمية التربية والتنشئة مذكرا باهتمام الكنيسة بها واهتمامه الشخصي أيضا، وتحدث هنا عن النداء الذي وجهه من أجل اتفاقية تربوية عالمية تربي على السلام والعدالة والضيافة بين الشعوب والتضامن العالمي، إلى جانب العناية بالبيت المشترك. ودعا الحضور بالتالي إلى تعزيز حرفيتهم وهويتهم الكنسية.
العامل الثاني حسب ما واصل الأب الأقدس هو توفر الموارد المادية اللازمة لبلوغ الأهداف المحددة، ودعا البابا إلى تفادي الإحباط في حال كانت الموارد غير كافية وإلى تذكر أن الكنيسة قد صنعت دائما أعمالا كبيرة بوسائل فقيرة. ذكّر قداسته من جهة أخرى بضرورة إبراز أنه ورغم الموارد والمواهب فإن كل كفاءة تأتينا من الله، فهنا يكمن ثراؤنا قال الأب الأقدس مذكرا بكلمات القديس بولس في رسالته الثانية إلى أهل قورنتس: “إن الله قادر على أن يُفيض عليكم مختلف النعم فيكون لكم كل حين في كل شيء ما يكفي مؤونتكم كلها ويفضل عنكم لكل عمل صالح”. (2 قور 9، 8). هذا وأراد الأب الأقدس لفت الأنظار إلى أن الاهتمام بالموارد المادية قد يكون في بعض الأحيان غبر مفيد لأنه يخدِّر الإبداع.
أما العامل الثالث الذي أراد البابا فرنسيس الإشارة إليه فهو تقاسم المبادرات للعمل في مجموعة، وقال في هذا السياق إن خبرة الإيمان وإدراك كوننا حمَلة لنعمة الرب يؤكدان لنا أن هذا أمر ممكن. وتابع أن التعاون في مشاريع مشتركة يزيد قيمة الأعمال بريقا لأنه يبرز شيئا طبيعيا في الكنيسة، أي الشركة، السير معا في الرسالة ذاتها، في خدمة الخير العام، وذلك من خلال المسؤولية المتقاسمة ومساهمة كل فرد. وواصل البابا فرنسيس متحدثا عن المنتدى العالمي الذي يشارك فيه ضيوفه باعتباره مثالا على العمل المشترك مشيرا إلى أن المشاريع التي ينفذونها بتوحيد الجهود مع منظمات كاثوليكية أخرى وفي شركة مع الرعاة ومع ممثلي الكرسي الرسولي لدى المنظمات الدولية ستكون مضاعَفة لخميرة الإنجيل ونور وقوة المسيحيين الأوائل.
وفي ختام كلمته إلى المشاركين في المنتدى العالمي للمنظمات غير الحكومية الكاثوليكية الذين استقبلهم في القصر الرسولي شدد البابا فرنسيس على أهمية الجرأة والإبداع من أجل فتح طرق جديد للحوار والتعاون، وذلك لتعزيز ثقافة اللقاء حيث تكون الكرامة البشرية وحسب تصميم الله في المركز. ثم أكد حاجة الكنيسة والبابا إلى عملهم والتزامهم وشهادتهم.
أخبار الفاتيكان