“يشوّه الإتجار بالبشر بشريّة الضحيّة ويسيء إلى حريتها وكرامتها ولكنّه في الوقت عينّه يجرّد من يقوم به من إنسانيته ويحرمه من ملء الحياة” هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في كلمته للمشاركين في مؤتمر دولي حول الاتجار بالبشر
استقبل قداسة البابا فرنسيس في قاعة السينودس في الفاتيكان المشاركين في مؤتمر دولي حول الاتجار بالبشر وللمناسبة وجّه الأب الأقدس كلمة رحّب بها بضيوفه وقال “أما أَنا فقَد أَتَيتُ لِتَكونَ الحَياةُ لِلنَّاس وتَفيضَ فيهِم” بهذه الجملة من إنجيل يوحنا تُلخّص رسالة يسوع: أن يُقدّم لجميع الرجال والنساء من كل زمن الحياة بملئها بحسب مخطّط الآب.
تابع البابا فرنسيس يقول للأسف يتميّز العالم الحاضر بأوضاع تعيق إتمام هذه الرسالة. يتعلّق الأمر جوهريًّا بتلك النزعة لتحويل الآخر إلى سلعة والتي أدنتها مرات عديدة. من بين المظاهر المأساويّة لهذا التسليع يندرج الإتجار بالبشر؛ فهو بأشكاله المتعدّدة يشكّل جرحًا في جسد البشريّة المعاصرة، آفة عميقة في بشريّة من يتعرّض لها ومن يقوم بها. في الواقع يشوّه الإتجار بالبشر بشريّة الضحيّة ويسيء إلى حريتها وكرامتها ولكنّه في الوقت عينّه يجرّد من يقوم به من إنسانيته ويحرمه من ملء الحياة. كذلك يؤذي الإتجار بالبشر البشريّة بشموليّتها بشكل خطير إذ يمزّق العائلة البشريّة وجسد المسيح.
أضاف الحبر الأعظم يقول يشكل الاتجار بالبشر انتهاكًا غير مبرَّرًا لحريّة الضحايا وكرامتهم، بُعدان أساسيّان للكائن البشري الذي أراده الله وخلقه، لذلك ينبغي اعتباره جريمة ضدّ البشريّة. والخطورة عينها يجب أن تُنسب أيضًا لجميع الإنتهاكات لحرية وكرامة كلِّ شخص بشري إن كان مواطنًا أو غريبًا. إن من يُلطِّخ نفسه في هذه الجريمة يسبب الأذى لا للآخرين وحسب وإنما لنفسه أيضًا. في الواقع كل فرد منا قد خُلق ليحب الآخر ويعتني به وهذا الأمر يبلغ ذروته في بذل الذات: “لَيسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعظمُ مِن أَن يَبذِلَ نَفَسَه في سَبيلِ أَحِبَّائِه”. لأنّه في العلاقة التي نبنيها مع الآخرين نراهن على بشريّتنا من خلال الاقتراب أو الابتعاد عن النموذج البشري الذي أراده الله الآب وأظهره في الابن المتجسّد.
تابع الأب الأقدس يقول إن جميع الأعمال التي تعتزم إعادة إصلاح وتعزيز بشريّتنا وبشريّة الآخرين تتماشى مع رسالة الكنيسة كاستمراريّة لرسالة يسوع المسيح الخلاصيّة. وهذا التكافؤ الإرسالي واضح في الكفاح ضدّ جميع أشكال الإتجار بالبشر وفي الالتزام الموجّه نحو تخليص الباقين على قيد الحياة. إنَّ حضوركم أيها الإخوة والأخوات الأعزاء هو علامة ملموسة للالتزام الذي أخذته بسخاء العديد من الكنائس المحليّة في هذا الإطار الرعائي. لقد تمَّ القيام بالكثير ولكن يبقى الكثير أيضًا لنقوم به. إزاء ظاهرة معقدّة ومظلمة كالإتجار بالبشر من الجوهري أن نؤمِّن التنسيق بين مختلف المبادرات الراعوية إن كان على الصعيد المحلّي وإما على الصعيد الدولي. ولكي تجعل عملها ملائمًا وأكثر فعّالية على الكنيسة أن تعرف كيف تستفيد من مساعدة الفاعلين السياسيين والاجتماعيين. وستشكّل بنود تعاون منظّم مع مؤسسات ومنظمات أخرى تابعة للمجتمع المدني ضمانة لنتائج أكثر حزمًا وثباتًا.
وختم البابا فرنسيس كلمته بالقول أشكركم على ما تقومون به لصالح العديد من إخوتنا وأخواتنا، الضحايا الأبرياء لتسليع الشخص البشري. أشجّعكم على المثابرة في هذه الرسالة الخطرة. وبشفاعة القديسة جوزيبينا بخيتا التي استُعبدت في طفولها وتمّ بيعها ولكنّها حُرّرت وأزهرت بالكامل كابنة لله، أستمطر عليكم وعلى جميع الذين يلتزمون في الكفاح ضدّ الإتجار بالبشر فيض البركات؛ وأؤكِّد لكم صلاتي ومن فضلكم لا تنسوا أن تصلّوا من أجلي!
اخبار الفاتيكان