استقبل قداسة البابا فرنسيس في القصر الرسولي بالفاتيكان المشاركين في مؤتمر دولي للرهبانية اليسوعية حول العدالة الاجتماعية والإيكولوجيا وللمناسبة وجّه الأب الأقدس كلمة رحّب بها بضيوفه وقال لقد دُعيت الرهبانية اليسوعية منذ بداياتها إلى خدمة الفقراء، وهي دعوة أدمجها القديس أغناطيوس في صيغة قانون عام ١٥٥٠. إذ تكرّس اليسوعيون من أجل “الدفاع عن الإيمان ونشره ومن أجل خير النفوس في الحياة والعقيدة المسيحية”، وبالإضافة إلى “مصالحة المتخاصمين، ومساعدة وخدمة من هم في السجون أو المستشفيات، وممارسة جميع أعمال المحبة الأخرى”.
تابع البابا فرنسيس يقول هذا التقليد قد وصل إلى أيامنا وقد عمل الأب أروبيه على تعزيزه. لقد آمن الأب بيدرو على الدوام أن خدمة الإيمان لا يمكنها أن تنفصل أبدًا عن تعزيز العدالة لأنهما مرتبطان بشكل وثيق. فبالنسبة له كان على جميع كهنة الرهبانية اليسوعية أن يجيبوا في الوقت عينه على تحدّي إعلان الإنجيل وتعزيز العدالة.
أضاف الأب الأقدس يقول تدعونا الليتورجية في كلِّ سنة لنتأمل الله في بهاء طفل مهمّش جاء إلى بَيتِه. فما قَبِلَه أَهْلُ بَيتِه. هذا التأمّل الفعال لإله مهمّش يساعدنا لكي نكتشف جمال كل شخص مهمّش. لا يمكن لأية خدمة أن تستبدل “إعطاء قيمة للفقراء في طيبتهم، وكيانهم، وثقافتهم، وطريقة عيشهم للإيمان” (الإرشاد الرسولي “فرح الإنجيل”، عدد ١۹۹). لقد وجدتم في الفقراء مكانًا مميّزًا للقاء المسيح، وهذه هي هديّة قيّمة في حياة من يتبع يسوع.
تابع الحبر الأعظم يقول إن اللقاء بالمسيح من خلال مفضَّليه هو تعبير عن إيماننا؛ وهذا ما حصل في الرهبانية اليسوعية التي عمّقت خبرتها مع الأخيرين إيمانها وعززته. لقد عشتم تحولاً حقيقيًّا وشخصيًّا من خلال تأمّلكم الصامت في ألم إخوتكم. تحوّل هو ارتداد أيضًا، وعودة للنظر إلى وجه المصلوب الذي يدعونا يوميًّا لكي نبقى معه وننزله عن الصليب. لا تتوانوا عن تقديم هذه الألفة للأشد ضعفا. إن عالمنا المكسور والمنقسم يحتاج إلى بناء جسور لكي يسمح اللقاء البشري لكل واحد منا بأن يكتشف في الأخيرين جمال وجه الأخ الذي نتعرف فيه على أنفسنا، والذي يتطلب وجوده، حتى بدون كلمات، رعايتنا وتضامننا.
أضاف البابا فرنسيس يقول لم يكن ليسوع “ما يَضَعُ علَيهِ رَأسَه” (متى ٨، ٢٠)، لأنّه كان منكبًّا على “إعلان بِشارَةَ المَلَكوت، وشفاء الشَّعبَ مِن كُلِّ مَرَضٍ وعِلَّة” (راجع متى ٤، ٢٣). واليوم يقيم روحه في وسطنا ويحرّكنا لاتباعه في خدمة مصلوبي زمننا. إن اتباع يسوع في هذه الظروف يتضمّن مجموعة من المهام. يبدأ بمرافقة الضحايا، لنتأمّل فيهم وجه ربنا المصلوب. ويتابع في التنبّه للاحتياجات البشرية التي قد تبرز، وغالبًا ما تكون كثيرة وتصعب مواجهتها. وبالتالي من الأهمية بمكان أن نفكّر اليوم حول واقع العالم، لكي نكشف شروره، ونكتشف الأجوبة الأفضل لكي نولّد الإبداع الرسولي والعمق الذي أراده الأب نيكولاس للرهبانية اليسوعية.
لكن تابع الأب الأقدس يقول لا يمكن لجوابنا أن يقف هنا. نحن بحاجة لثورة ثقافية حقيقية، من أجل تحوّل في نظرتنا الجماعية وفي مواقفنا وأسلوبنا في فهم أنفسنا إزاء العالم. بعضكم والعديد من اليسوعيين الآخرين الذين سبقوكم قد أطلقوا أعمال لخدمة الفقراء، أو التعليم، أو الاهتمام باللاجئين، أو الدفاع عن حقوق الإنسان أو الخدمات الاجتماعية في مجالات عديدة. استمروا في هذا الالتزام المبدع، الذي يحتاج دائمًا للتجديد في مجتمع سريع التغير؛ وساعدوا الكنيسة في التمييز الذي علينا أن نقوم به اليوم حول عملنا الرسولي. واستمروا في التعاون في شبكة فيما بينكم ومع منظمات كنسية ومدنية أخرى لكي يكون لكم صوتًا في الدفاع عن الفقراء والمعوزين في هذا العالم المعولم.
أضاف الحبر الأعظم يقول إن عالمنا يحتاج لتحولات تحمي الحياة المهدّدة وتدافع عن الأشدّ ضعفًا. نحن نبحث عن تغييرات وغالبًا ما لا نعرف ما ينبغي عليها أن تكون، أو نشعر بأننا غير قادرين على التعامل معها لأنها تفوقنا. عند حدود التهميش والإقصاء، قد نواجه خطر اليأس، إذا تبعنا المنطق البشري وحسب. لكن ما يلفت الانتباه هو أنه غالبًا ما لا يسمح ضحايا هذا العالم لتجربة الاستسلام أن تقودهم بل يثقون بالرجاء. جميعنا شهود على أنَّ المتواضعين والمستغلّين والفقراء والمهمشين بإمكانهم القيام بالكثير… عندما يُنظّم الفقراء يتحوّلون إلى شعراء اجتماعيين، ومبدعي عمل ومنتجي غذاء ولاسيما للمهمّشين وللسوق العالمي.
وختم البابا فرنسيس كلمته بالقول أنتم تعملون من أجل الرجاء المسيحي الحقيقي الذي يبحث عن الملكوت الإسكاتولوجي ويولد تاريخًا على الدوام. تقاسموا الرجاء حيث تقيمون لكي تخففوا وتعزّوا وتنعشوا. حافظوا على علاقة يومية مع المسيح القائم من الموت والممجّد وكونوا صانعي محبة وزارعي رجاء.
أخبار الفاتيكان