استقبل قداسة البابا فرنسيس في القصر الرسولي المشاركين في لقاء دولي بعنوان “تعزيز كرامة الطفل في العالم الرقمي، من الفكرة إلى التطبيق” تنظمه الجامعة الحبرية للعلوم الاجتماعية بالتعاون مع تحالف كرامة الطفل وتحالف الأديان من أجل مجتمعات أكثر أمانا. وفي كلمته إلى ضيوفه حيا الأب الأقدس الجميع ووجه الشكر إلى كل من الشيخ سيف بن زايد آل نهيان نائب رئيس الوزراء ووزير داخلية الإمارات والأب فيديريكو لومباردي رئيس مؤسسة يوزيف راتزنغر الحبرية على كلمتيهما. ثم توقف البابا فرنسيس عند الأهمية الكبيرة للمواضيع التي يتطرق إليها المشاركون في اللقاء والذي يبدأ اليوم ويستمر ليومين، وذكّر باستقباله قبل عامين المشاركين في مؤتمر كرامة الطفل في العالم الرقمي حيث شجعهم على توحيد القوى لمواجهة موضوع الحماية الفعالة لكرامة القاصرين في العالم الرقمي وهي قضية مركبة تتطلب تعاون الجميع. وأعرب البابا عن سعادته لمبادرات مختلفة أُطلقت في هذه المسيرة ومن بينها مؤتمر أبو ظبي بين الأديان الذي عُقد العام المنصرم.
وواصل الأب الأقدس متحدثا عن الوعي الذي اكتسبته الكنيسة الكاثوليكية عبر خبرات مأساوية خلال العقود الأخيرة حول التعديات الجنسية على الأطفال وتبعاتها، والحاجة العاجلة إلى مداواة الجراح ومواجهة هذه الجريمة بحزم وتطوير وقاية فعالة. وتحدث بالتالي عن كوننا أمام قضايا هامة يفرضها على مستقبل البشرية تطور تقنيات الإعلام والاتصالات، وأضاف أنه لا يمكن إنكار ما يقدمه هذا التطور في العالم الرقمي من فرص للقاصرين في مجال التعليم والتكوين الشخصي وإمكانية تبادل الخبرات، إلى جانب تعزيز هذا التطور للتنمية الاقتصادية وتقديم إمكانيات جديدة في مجالات مختلفة مثل الصحة. وواصل قداسته متحدثا عن تحدي تسهيل استفادة القاصرين من هذه التقنيات مع ضمان في الوقت ذاته نمو سليم وهادئ للأطفال وألا يصبحوا ضحايا عنف إجرامي أو تأثيرات ضارة على سلامتهم الجسدية والنفسية. وأشار البابا فرنسيس هنا بأسف إلى انتشار استخدام التقنيات الرقمية لتنظيم والمشاركة في تعديات على القاصرين عبر الحدود، وهي جرائم تبدو مواجهتها صعبة. تحدث الأب الأقدس أيضا عن الانتشار الكبير للمواد الإباحية في العالم الرقمي والتي يسهل للقاصرين الوصول إليها عبر شبكة الإنترنت ومن خلال الأجهزة المحمولة. وشدد البابا فرنسيس في هذا السياق على ضرورة الوعي بحجم وخطورة هذه الظواهر، ودعا المشاركين في اللقاء من دارسين وباحثين إلى التعرف بوضوح على طبيعة وأبعاد المخاطر التي علينا محاربتها. تحدث قداسته أيضا عن أهمية واجب العاملين في مجال الاتصالات وشدد على ضرورة نشر الوعي بمخاطر تطور تكنولوجي بلا رقابة.
ثم انتقل البابا فرنسيس إلى الحديث عن موضوع اللقاء، أي من الفكرة إلى التطبيق، مؤكدا أن الفهم وحده لا يكفي بل يجب العمل، وأضاف أن الإدانة الأخلاقية للأضرار التي تُلحَق بالأطفال بسبب الاستخدام السيء للتقنيات الرقمية الحديثة يجب أن تترجَم إلى مبادرات ملموسة وعاجلة. كما وتحدث عما يمكن اعتباره تناقضا بين فهم العالم الرقمي كفسحة لحرية تعبير وتواصل لا حدود لهما، والاستخدام المسؤول للتقنيات أي حدود هذا الاستخدام، كما وأشار إلى الرباط بين حرية التعبير وحماية الخصوصية والتي تجعل الرقابة على الاتصالات صعبة أو مستحيلة. هناك إذاً حاجة إلى بلوع توازن ملائم بين الممارسة المشروعة لحرية التعبير والمصلحة الاجتماعية وضمان عدم استخدام الوسائل الرقمية للقيام بنشاطات إجرامية إزاء القاصرين.
هذا وأراد الأب الأقدس التوقف عند نقطتين أساسيتين لتفادي سوء استخدام هذه التقنيات فتحدث أولا عن أهمية أن تتناغم الحرية واحترام الخصوصية مع خير المجتمع، وأن تتمكن السلطات من العمل بكفاءة لمواجهة النشاطات الإجرامية التي تلحِق الضرر بحياة وكرامة القاصرين، وذلك باستفادة السلطات من أدوات تشريعية وعملية مناسبة ومع احترام دولة القانون. النقطة الثانية هي نمو الشركات العاملة في قطاع التقنيات الرقمية والتي لا يمكن بالتالي استبعادها بالكامل عن استخدام ما توفِّر من منتجات. وإلى هذه الشركات وجه البابا فرنسيس دعوة إلى المسؤولية إزاء القاصرين وكرامتهم ومستقبلهم، فبدون الإشراك الكامل لهذه الشركات وبدون وعي تام بالتبعات الأخلاقية والاجتماعية لعملها لا يمكن ضمان أمن القاصرين في العالم الرقمي. وأعطى قداسة البابا فرنسيس بعض الأمثلة على مبادرات مفيدة في هذا المجال من بينها تمكين الشركات التي توفر خدمات استخدام الشبكة على الأجهزة المتنقلة من التعرف على سن العملاء لتحُول دون وصول قاصرين إلى مواقع إباحية على سبيل المثال. وواصل قداسته داعيا مهندسي المعلوماتيات إلى العمل على تطوير أخلاقي للأنظمة المعلوماتية، كما وشدد وانطلاقا من المصالح المالية الضخمة المرتبطة بالعالم الرقمي على أهمية عدم ربط عمل الشركات بالربح فقط. ثم عاد البابا فرنسيس لتأكيد أهمية العمل المشترك أمام تساؤلات هامة مثل كيفية حماية كرامة الأشخاص والقاصرين في العالم الرقمي بينما ترتبط حياة الأشخاص وهويتهم ببيانات تحاول أشكال جديدة من السلطات الاستحواذ عليها، أو كيفية صياغة مبادئ يجب احترامها من العالم الرقمي بكامله.
وفي ختام كلمته إلى المشاركين في المؤتمر الدولي “تعزيز كرامة الطفل في العالم الرقمي، من الفكرة إلى التطبيق”، الذين استقبلهم صباح اليوم في القصر الرسولي، أكد البابا فرنسيس ضرورة توجيه الإبداع والذكاء البشريَّين من أجل الخير المتكامل للأشخاص طوال حياتهم منذ الطفولة، وتحدث عن ضرورة مساعدة المربين والوالدين عبر التزام مشترك لتحالف جديد بين كل المؤسسات والقوى التربوية. وشدد في هذا السياق على إسهام لا فقط الفكر الأخلاقي بل وأيضا الرؤية الدينية لأنها تؤسِّس احترام الكرامة البشرية على عظمة وقدسية الله خالق الإنسان ومخلِّصه. ورحب البابا بالتالي بالكثير من القادة الدينيين المشاركين في اللقاء ووجه لهم الشكر. ثم ختم مؤكدا ضرورة إزالة العنف وكل أشكال التعديات على القاصرين.
أخبار الفاتيكان