“تعلِّم الكنيسة، في ضوء الإنجيل، أنَّ عقوبة الإعدام عي غير مقبولة على الدوام لأنها تهدد حرمة الشخص البشري وكرامته” هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في كلمته لوفد من اللجنة الدولية لمناهضة عقوبة الإعدام
استقبل قداسة البابا فرنسيس ظهر اليوم الاثنين في القصر الرسولي بالفاتيكان وفدًا من اللجنة الدولية لمناهضة عقوبة الإعدام وللمناسبة وجّه الأب الأقدس كلمة رحّب بها بضيوفه وقال في القرون الماضية، عندما كنا نفتقد للأدوات التي نملكها اليوم لحماية المجتمع ولم نكن قد بلغنا المستوى الحالي لتطور حقوق الإنسان، كان اللجوء إلى عقوبة الإعدام أحيانًا نتيجة منطقية وعادلة.
لذلك، تابع الأب الأقدس يقول، تتضمّن الصياغة الجديدة للتعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية أيضًا مسؤوليتنا حول الماضي والاعتراف بأن قبول هذا الشكل من العقاب كان نتيجة لذهنيّة توجّهها القوانين أكثر من المبادئ المسيحية، ذهنيّة قدّست القوانين التي تفتقر للإنسانية والرحمة. إن إصلاح نص التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية في النقطة المخصصة لعقوبة الإعدام لا يحتوي على تناقض مع تعاليم الماضي لأنَّ الكنيسة قد دافعت على الدوام عن كرامة الحياة البشريّة. لكنَّ التطور المتناغم للعقيدة يفرض ضرورة أن ينعكس في التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية بأن الكنيسة تعلِّم، في ضوء الإنجيل، أنَّ عقوبة الإعدام عي غير مقبولة على الدوام لأنها تهدد حرمة الشخص البشري وكرامته.
أضاف الحبر الأعظم يقول وبالطريقة عينها، يفهم تعليم الكنيسة أن العقوبات الدائمة التي تلغي إمكانيّة خلاص أخلاقي ووجودي، لصالح المدان والجماعة أيضًا، هي شكل من أشكال عقوبة الإعدام الخفيّة. الله هو أب ينتظر دائماً عودة الابن، الذي وإذ يعرف أنه ارتكب خطأ، يطلب المغفرة ويبدأ حياة جديدة. وبالتالي لا يمكن حرمان أي شخص من حياته أو من الأمل في خلاصه والمصالحة مع الجماعة.
تابع البابا فرنسيس يقول وكما حدث في قلب الكنيسة من الضروري أن يُصار إلى التزام مماثل في إطار الأمم. لا يمكن للحق السيادي لجميع الدول في تحديد نظامها القانوني أن يُمارَس بأسلوب يتناقض مع التزاماتها بموجب القانون الدولي كما لا يمكنه أيضًا أن يمثل عائقًا إزاء الاعتراف العالمي بكرامة الإنسان. ولذلك أرغب في دعوة جميع الدول التي لم تلغ عقوبة الإعدام ولكنها لا تطبقها، على الاستمرار في الامتثال لهذا الالتزام الدولي، وألا يُطبّق التجميد على تنفيذ عقوبة الإعدام وحسب وإنما على فرض عقوبة الإعدام أيضًا. إذ لا يمكن للتجميد أن يُعاش من قبل المدان كمجرّد تمديد لانتظار إعدامه.
أضاف الأب الأقدس يقول أما بالنسبة للدول التي لا تزال تطبق عقوبة الإعدام، فأحثُّها على اعتماد تجميد بهدف إلغاء هذا الشكل القاسي من العقاب. ولكنّني أفهم أنّه لبلوغ الإلغاء، وهو الهدف من هذه القضية، قد يكون من الضروري في سياقات معينة المرور بعمليات سياسية معقدة. وكما فعلت في مناسبات سابقة، أود أن أسترعي الانتباه إلى حالات الإعدام التي تتمُّ خارج نطاق القضاء إن كان من خلال إجراءات موجزة أو تعسُّفية، وهي ظاهرة متكررة للأسف في بلدان يتضمن قانونها أو لا عقوبة الإعدام. إنها عمليات قتل متعمدة من قبل عملاء الدولة، والتي غالباً ما يتم تمريرها كنتيجة لمواجهات مع مجرمين مزعومين.
تابع البابا فرنسيس يقول يبقى حبُّ الذات مبدأ أساسيًّا في الأخلاق. فمن حق الإنسان أن يجعل الآخرين يحترمون حقّه في الحياة. من يدافع عن حياته ليس مُذنبًا بقتل إنسان وإن اضطُرَّ أن يُسدّد إلى المعتدي عليه ضربة قاضية (راجع التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، عدد ٢٢٦٤) قد يكون الدفاع المشروع ليس حقًّا فقط بل واجبًا خطيرًا بالنسبة إلى من هو مسؤول عن حياة الآخرين (المرجع عينه، عدد ٢٢٦٥). إن الدفاع عن الخير العام يتطلب وضع المعتدي في حالة عدم القدرة على إحداث ضرر. ولهذا السبب، يجب على الذين يملكون سلطة شرعية أن يرفضوا أي اعتداء، بما فيه استخدام الأسلحة، إلا إذا كان ذلك ضرورياً لكي يحافظ المرء على حياته أو حياة الأشخاص الذين هم في رعايته. ونتيجة لذلك فإنَّ كلُّ استخدام لقوة مميتة، لا تكون ضرورية لهذا الغرض، يمكن اعتباره إعدامًا غير قانوني، وجريمة دولة.
أضاف الحبر الأعظم يقول ختامًا، أريد أن أشارككم تأملاً يرتبط بالعمل الذي تقومون به، وبكفاحكم من أجل عدالة إنسانيّة. إنَّ التأملات في المجال القانوني وفلسفة القانون قد اهتمّت تقليدياً بالذين يؤذون أو يتدخلون في حقوق الآخرين. فيما ولّد اهتمامًا أقل إغفالنا عن مساعدة الآخرين عندما كان بإمكاننا ذلك، وبالتالي فهذا تأمل لا يمكننا تأجيله. لذلك يجب على المبادئ التقليدية للعدالة، التي تتميز بفكرة احترام الحقوق الفردية وحمايتها من أي تدخل من قبل الآخرين، أن تستكمل بأخلاقيات الرعاية. وفي إطار العدالة الجنائية، يتطلب هذا الأمر فهمًا أكبر لأسباب التصرفات، ولإطارها الاجتماعي. وبالتالي فعلى هذا الأسلوب في التفكير، والمستوحى من الرحمة الإلهية، أن يحملنا على التفكير في كل حالة محددة في خصوصيتها، وعدم التعامل مع أعداد مجردة من الضحايا والمعتدين.
تابع البابا فرنسيس يقول يمكننا أن نعبّر عن ذلك من خلال هذه الصورة: “نحن بحاجة إلى عدالة، تكون أمًا بالإضافة إلى كونها أبًا. لأنَّ تصرّفات العناية المتبادلة، الخاصة بالمحبّة التي هي أيضًا مدنيّة وسياسيّة، تظهر في كلّ الأعمال التي تسعى لبناء عالم أفضل. وبالتالي فالمحبة الاجتماعية هي المفتاح لتنمية حقيقيّة: لكي يُصار إلى مجتمع أكثر إنسانية وكرامة للشخص البشري، من الأهمية بمكان إعادة تقييم الحب في الحياة الاجتماعية – السياسية والاقتصادية والثقافية – وجعله القاعدة الدائمة والسامية للعمل. في هذا الإطار تحملنا المحبة الاجتماعية على التفكير في استراتيجيات كبيرة تعزز ثقافة العناية في مختلف مجالات الحياة المشتركة.
وختم البابا فرنسيس بالقول أيها الأصدقاء الأعزاء، أشكركم مجدّدًا على هذا اللقاء وأؤكد لكم أنني سأتابع عملي معكم من أجل إلغاء عقوبة الإعدام. هذا ما التزمت به الكنيسة وأرغب في أن يتعاون الكرسي الرسولي مع اللجنة الدولية لمناهضة عقوبة الإعدام في بناء التوافق الضروري من أجل القضاء على عقوبة الإعدام وجميع أشكال العقوبات القاسية.
فاتيكان نيوز