النضارة الروحية لكتابات لاهوتي جمع بين الإيمان والعقل والمشاعر في حوار من أجل بلوغ لقاء الله. هذا ما شدد عليه البابا فرنسيس في مقدمة سطرها لكتاب بعنوان “الله هو دائما جديد” يجمع الأفكار الروحية للبابا بندكتس السادس عشر.
“الله هو دائما جديد”، هذا عنوان كتاب تصدره المكتبة ودار النشر الفاتيكانية أعده لوكا كاروزو يجمع الأفكار الروحية للبابا بندكتس السادس عشر. وقد كتب مقدمة هذا العمل قداسة البابا فرنسيس فأعرب في البداية عن سعادته بأن يمسك القاري بين يديه بهذا الكتاب والذي يعبِّر عنوانه عن أحد العناصر الأكثر تمييزا لحبرية البابا بندكتس السادس عشر ولنظرته إلى الإيمان. فالله جديد دائما لأنه ينبوع الجمال والنعمة والحقيقة، واصل البابا فرنسيس مشيرا إلى أن الله يفاجئنا ويحمل الجديد وهو ما تؤكده صفحات هذا الكتاب بما تحمل من نضارة روحية.
توقف البابا فرنسيس بعد ذلك عند حديث بندكتس السادس عشر عن الإيمان فقال إنه كان يفعل هذا بتعبد شخص سَلَّم نفسه بالكامل لله بإرشاد من الروح القدس، وكان يبحث دائما عن توغل أكبر في سر يسوع الذي جذبه منذ صباه. وواصل الأب الأقدس مشيرا إلى أن نصوص الكتاب يُبرز القدرات الإبداعية لبندكتس السادس عشر في تأمله لعناصر المسيحية العديدة، وذلك بصور ولغة وآفاق مثمرة تصبح محفزا مستمرا لإنماء عطية استقبال الله في حياتنا. كما وتوقف البابا فرنسيس عند قدرة البابا الفخري على الجمع بين القلب والعقل، الفكر والمشاعر، وذلك بشكل يصبح نموذجا مثمرا لكيفية سرد قوة الإنجيل للجميع.
تابع البابا فرنسيس في تقديمه للكتاب أن القارئ سيجد في هذا الإصدار ملخصا روحيا لما كتب بندكتس السادس عشر، وتوقف قداسته بشكل خاص عند إبراز النصوص لقدرة سلفه على إظهار عمق الإيمان المسيحي جديدا دائما. وذكَّر البابا فرنسيس هنا بعبارة لبندكتس السادس عشر وهي أن الله حدث محبة، وأضاف أن هذه العبارة وحدها تعكس لاهوتا يتسم بتناغم بين العقل والعاطفة. كما وعاد الأب الأقدس إلى سؤال وجهه البابا الراحل إلى الشباب خلال أمسية صلاة في كولونيا سنة 2006: ما الذي يمكن أن يخلِّصنا إن لم تكن المحبة؟ وتابع البابا فرنسيس مشيرا من جهة أخرى إلى شغف بندكتس السادس عشر حين كان يتحدث عن الكنيسة.
هذا وأراد قداسة البابا التشديد على أن فكر وتعليم سلفه سيظلان دائما مثمرَين، وذلك لأنه نجح في التركيز على المراجع الأساسية لحياتنا المسيحية، شخص يسوع وكلمته في المقام الأول، ثم الفضائل اللاهوتية، المحبة والرجاء والإيمان. وواصل البابا فرنسيس أن الكنيسة كلها ستكون دائما ممتنة للبابا بندكتس السادس عشر على هذا. وتحدث الأب الأقدس أيضا عن تلاحم متناغم لدى سلفه بين تعبد لا يتوقف وتعليم مستنير. وتوقف أيضا عند حديث بندكتس السادس عشر عن الجمال بكلمات مؤثرة حيث كان يعتبر الجمال طريقا متميزا لانفتاح الرجال والنساء على المتسامي للتمكن من لقاء الله، وكان هذا بالنسبة له أسمى واجبات الكنيسة ورسالتها الأكثر إلحاحا. إلا أن هذا، حسب ما تابع البابا فرنسيس، لم يؤثر على انتباه بندكتس السادس عشر إلى قضايا زمننا الكبيرة والشائكة التي كان يراقبها ويحللها بحكم واعٍ وروح ناقدة شجاعة. وأضاف البابا أن سلفه قد نجح منذ صباه في أن يستنبط الحكمة اللازمة من أجل حوار مع ثقافة زمنه، وهو ما تؤكده صفحات الكتاب.
هذا وأراد البابا فرنسيس توجيه الشكر إلى الله لأنه وهبنا البابا بندكتس السادس عشر الذي علَّمنا بكلماته وشهادته أنه يمكن بالتأمل والفكر والدراسة، بالإصغاء والحوار وفي المقام الأول بالصلاة، خدمة الكنيسة وعمل الخير للبشرية بأسرها. وتابع أن بندكتس السادس عشر قد قدم لنا أدوات فكرية حية كي يتمكن كل مؤمن من اللجوء إلى أسلوب للتفكير والتواصل يمكن فهمه من قِبل أشخاص زمنه. وشدد الأب الأقدس على أن نية سلفه الدائمة كانت الدخول في حوار مع الجميع للبحث معا عن الطريق للقاء الله.
وفي ختام مقدمة الكتاب قال البابا فرنسيس إن بندكتس السادس عشر قد أوضح لنا بمَثله كمفكر غني بالمحبة والحماس أن بالإمكان البحث عن الحقيقة، وأن تسليم الذات لها هو أسمى ما يمكن أن تبلغه النفس البشرية. ثم تمنى الأب الأقدس للقراء أن يجدوا في هذا الكتاب نعمة لقاء جديد ومُحيي مع يسوع، وذلك من خلال الصوت الشغوف والمتواضع لمعلم إيمان ورجاء.