لتوفيق بين متطلبات الإيمان وضروريات العمل، كان هذا أهم ما توقف عنده البابا فرنسيس في كلمة وجهها إلى مديري شركات ورجال أعمال فرنسيين شباب استقبلهم ظهر اليوم في القصر الرسولي.
استقبل قداسة البابا فرنسيس في القصر الرسولي وفدا من مديري الشركات ورجال الأعمال الفرنسيين الشباب المشاركين في زيارة إلى روما في مبادرة أُطلق عليها اسم “رحلة الخير العام”. وفي بداية كلمته رحب الأب الأقدس بالجميع مذكرا بمجيئهم من فرنسا في حج من أجل تجذر أكبر في الإيمان وتقديم شهادة لهذا الإيمان في حياتهم وعملهم، كما وأعرب قداسته عن فرحه برغبتهم في اتّباع تعليم الإنجيل واعين بدورهم بالنسبة لمستقبل مجتمعاتنا والعالم.
تحدث البابا فرنسيس بعد ذلك عن إدراكه للتوفيق غير السهل بين متطلبات الإيمان والعقيدة الاجتماعية للكنيسة وضروريات وما تفرضه قوانين السوق والعولمة، إلا أنه يرى أن قيم الإنجيل التي يريد ضيوفه تطبيقها في إدارة شركاتهم وفي العلاقات المتعددة في إطار عملهم هي فرصة لتقديم شهادة مسيحية صادقة لا غنى عنها. وذكَّر الأب الأقدس هنا بما جاء في الوثيقة المجمعية الدستور العقائدي في الكنيسة “نور الأمم”: “يحتل العلمانيون المحل الأهم في التتميم الشامل لهذا الواجب. وليجتهدوا بكل قواهم، بما لهم من كفاءة في الفنون الدنيوية وبأعمالهم التي ترفعها من الداخل نعمة المسيح، في أن تستثمر الخيور توزيعاً عادلاً بين البشر ولتقد حسب طبيعتها، إلى تقدم شامل في الحرية الإنسانية والمسيحية” (36).
أشار البابا فرنسيس بعد ذلك إلى أن ما فعل شهود عظماء مثل القديسَين بطرس وبولس، وصولا إلى الاستشهاد، يؤكد أن رسالة الإنجيل والتي قد تبدو ضعيفة أمام القوة الدنيوية للسلطة والمال يمكنها بقوة الروح القدس وبدعم إيمان تلاميذ مرسلين شجعان أن تصبح واقعا يجب تجديده. ثم توقف البابا فرنسيس عند عمل ضيوفه والذي يتطلب التوفيق بين أمور ضرورية لتمكين شركاتهم من مواصلة العمل من جهة، مثل كسب أسواق جديدة وزيادة الإنتاجية واللجوء إلى الدعاية وزيادة الاستهلاك، والحاجة المتزايدة للعدالة الاجتماعية من جهة أخرى وذلك لتوفير للجميع فرصة العيش بشكل كريم، وأشار قداسته هنا على سبيل المثال إلى ظروف العمل والرواتب، فرص العمل وثباته وأيضا حماية البيئة.
تحدث البابا بالتالي عن كيفية عيش رجل الأعمال المسيحي لهذا التناقض في سلام ورجاء، وأشار إلى أننا نجد معيارا للتمييز في الوثيقة المجمعية “فرح ورجاء”: “إنّ على ضميرهم، بعد أن يكون قد تربى على ذلك، أن يُدرج الشريعة الإلهية في حياة المدينة الأرضية. ولينتظروا من الكهنة النور والعون الروحي. وعليهم ألا يفكروا مع ذلك أن لرعاتهم من الكفاءة ما يمَكنهم من إيجاد الحل العملي المباشر لكل مشكلة تعرض لهم وإن خطيرة، ولا يفكروا أن هذه هي مهمتهم؛ بل عليهم بالأحرى أن يتحملوا هم مسؤولياتهم مستنيرين بالحكمة المسيحية ومصغين بأمانة لتعليم السلطة الكنسية” (43).
هذا وعاد قداسة البابا فرنسيس في كلمته إلى الرسالة العامة “كن مسبَّحاً” مشيرا إلى تقييمه في هذه الوثيقة لتنظيم النشاط الاقتصادي ولتبعات هذه الأنظمة على الأشخاص وعلى البيئة، وقال إن تقييمه قد يبدو صارما في بعض الأحيان إلا أنه يحفز على إطلاق صرخة إنذار أمام تردي بيتنا المشترك وأيضا أمام تزايد الفقر والعبودية. وقال البابا لضيوفه إنهم لا يملكون ردا فوريا فعالا على تحديات زمننا إلا أن لهم دورا جوهريا يجب القيام به، حيث يمكنهم ومن خلال تغيرات ملموسة في الأسلوب سواء فيما يتعلق بالعلاقة مع العاملين معهم أو بنشر ثقافة جديدة للشركات، يمكنهم العمل على تغيير الأمور بشكل فعلي وتربية عالم العمل تدريجيا على أسلوب جديد. كما وتحدث البابا فرنسيس عن إمكانية العمل معا وتقديم اقتراحات والمشاركة في القرارات السياسية، أي القيام بارتداد حسب ما تابع الأب الأقدس مشيرا إلى أنه لا يمكن الفصل بين الارتداد الإيكولوجي والارتداد الروحي الذي هو شرط لا غنى عنه للارتداد الإيكولوجي. وذكّر البابا فرنسيس في هذا السياق بما كتب في الرسالة العامة “كن مسبَّحاً”: “تقترح الروحانية المسيحية نمطًا بديلا لفهم نوعية الحياة، وتشجع أسلوب حياة نبويا وتأمّليا، قادرًا على الفرح العميق دون الوقوع في هوس الاستهلاك” (222). ودعا قداسته ضيوفه إلى الالتزام على درب البساطة والرزانة هذه بدءً من حياتهم الشخصية، حيث سيجعل هذا ما عليهم أن يتخذوا من قرارات أكثر حرية وصفاء، كما وسينالون هم المزيد من السلام والفرح، وذلك لأن “البساطة هي التي ستسمح لنا بالتوقف للاستمتاع بالأشياء الصغيرة، وللشكر من أجل الإمكانيات التي تقدمها الحياة دون التعلق بما نملك ولا الحزن بسبب ما لا نملك” (كن مسبَّحاً” (222).
أخبار الفاتيكان