واصل البابا فرنسيس تعليمه الأسبوعيّ خلال المقابلة العامّة مع المؤمنين عن الغيرة الرّسوليّة والشغف بالكرازة بالإنجيل.
وتحدّث البابا فرنسيس، بحسب “فاتيكان نيوز”، عن القدّيسة كاتيري تيكاكويثا، “وهي أوّل امرأة من سكّان أمريكا الشّماليّة الأصليّين تُعلَن قداستها. ولدت كاتيري في سنة ١٦٥٦ تقريبًا في قرية في أعالي ولاية نيويورك، أبوها كان أحد قادة شعب الموهوك ولم يكن معمَّدًا بينما كانت والدتها مسيحيّة، وقد علَّمت الأم ابنتها الصّلاة وتسبيح الله. هذا ما حدث لكثيرين منّا، أيّ أنّ عائلاتنا، وبخاصّة الأمّهات والجدّات، هي من عرَّفنا على الله. من هنا تبدأ الكرازة بلفتات بسيطة وصغيرة مثل مساعدة الوالدين أبناءهم على التّكلّم مع الله من خلال الصّلاة، وتعريفهم بمحبّته الكبيرة والرّحومة. كاتيري قد تلّقت أسس الإيمان من أمّها وذلك من خلال اللّهجة، لهجة الإيمان.
توفّي والدَاها وأخيها الأصغر وهي في الرّابعة من العمر بسبب الإصابة بمرض الجدري، وقد أصيبت هي أيضًا وظلّت على وجهها آثار المرض، هذا إلى جانب معاناتها من مشاكل بصريّة. كان على كاتيري هكذا مواجهة مصاعب كثيرة لا فقط تلك الجسدّيّة النّاتجة عن المرض، بل وأيضًا عدم الفهم والاضطهاد وصولًا إلى التّهديد بالموت بعد أن نالت سرّ المعموديّة في يوم الاحتفال بالفصح سنة ١٦٧٦. هذا كلّه قد جعل لديها محبّة كبيرة للصّليب، علامة محبّة المسيح الذي وهب ذاته من أجلنا حتّى النّهاية. الشّهادة للإنجيل لا تشمل فقط الأشياء الجميلة، بل علينا أيضًا أن نتعلّم حمل صلباننا اليوميّة بصبر وثقة ورجاء. الصبر فضيلة مسيحيّة عظيمة، وهي تعني التّسامح أيضًا مع الآخرين. حياة القدّيسة كاتيري تيكاكويثا تكشف لنا أنّ أيّ تحدّ يمكن التّغلّب عليه في حال فتحنا قلوبنا على يسوع الذي يهبنا النّعمة التي نحتاج إليها. الصّبر والقلب المنفتح على يسوع، هذه هي الوصفة للعيش بشكل جيّد.
وعاد البابا فرنسيس إلى حياة هذه القديسة مشيرا إلى لجوئها وسط شعب موهوك في الإرسالية اليسوعية بالقرب من مونتريال حيث كانت تشارك في القداس كل صباح وتُكرس الوقت للتعبد للقربان الأقدس وتتلو صلاة المسبحة الوردية وتعيش حياة توبة. وتابع الأب الأقدس أن ممارساتها الروحية هذه قد أثارت إعجاب جميع من في الإرسالية الذين لمسوا في كاتيري قداسة جذابة لأنها كانت تنبع من حبها العميق لله. الله يدعونا بجذبه لنا، بالرّغبة في أن يكون بالقرب منّا، وقد لمست كاتيري نعمة هذه الجاذبيّة الإلهيّة. قامت كاتيري بتعليم الأطفال الصّلاة كما كانت تقدّم من خلال التزامها المتواصل بمسؤوليّاتها، ومن بينها العناية بالمرضى والمسنّين، مثالًا على الخدمة المتواضعة والمُحبة لله وللقريب. الإيمان يتمّ التّعبير عنه بالخدمة.
كاتيري قد تمّ تشجيعها على الزّواج إلّا أنّها أرادت أن تكرّس حياتها للمسيح بشكل كامل، ونظرًا لأنّه لم يكن من الممكن لها دخول الحياة المكرّسة فقد نذرت البتوليّة الدّائمة في ٢٥ آذار/ مارس ١٦٧٩. إختيارها هذا يسلّط الضّوء على جانب آخر من الغيرة الرّسوليّة، تكريس الذّات بالكامل للرّبّ. كلّ مسيحيّ مدعوّ كلّ يوم إلى الالتزام بقلب لا يفصل بين الدّعوة والرّسالة التي يوكلها الله إلى المسيحيّ ليخدم الله والقريب بروح المحبّة.
إنّ حياة القديسة كاتيري تيكاكويثا هي شهادة إضافيّة على أنّ الغيرة الرّسوليّة تعني من جهة اتّحادًا مع يسوع تغذّيه الصّلاة والأسرار، ومن جهة أخرى الرّغبة في نشر جمال الرّسالة المسيحيّة من خلال الأمانة إلى الدّعوة المحدّدة. الكلمات الجميلة التي نطقت بها كاتيري تيكاكويثا قبل موتها: “أحبّك يا يسوع”.”
وإختتم البابا فرنسيس داعيًا الجميع، من خلال استمداد القوّة من الرّبّ مثل القدّيسة كاتيري تيكاكويثا، “إلى تعلّم القيام بالأفعال العاديّة بشكل غير اعتياديّ فننمو كلّ يوم في الإيمان والمحبّة والشّهادة الغيورة للمسيح.”
كما وذكَّر البابا فرنسيس “بزمن الخليقة الذي سيبدأ في الأوّل من أيلول/ سبتمبر، اليوم العالميّ للصّلاة من أجل العناية بالخليقة، ويستمر حتّى الرابع من تشرين الأوّل/ أكتوبر عيد القدّيس فرنسيس الأسّيزي”. وأضاف أنّه “ينوي في ذلك اليوم إصدار إرشاد وصفه بـ “كن مسبَّحًا” ثانية.” ودعا “إلى الاتّحاد مع أخوتنا وأخواتنا المسيحيّين في الالتزام من أجل حماية الخليقة كعطيّة مقدّسة من الخالق.” وشدّد “على ضرورة أن نكون إلى جانب ضحايا اللّامساواة البيئيّة والمناخيّة، وبذل الجهود من أجل إنهاء هذه الحرب ضد بيتنا المشترك والتي وصفها بحرب عالميّة رهيبة.”
وتحدّث البابا فرنسيس “عن زيارته الرّسوليّة إلى منغوليا التي تبدأ مساء الغد ٣١ آب/ أغسطس وتستمرّ حتّى الرّابع من أيلول/ سبتمبر، وطلب من المؤمنين مرافقته بالصّلاة.” ودعا “الجميع إلى تجديد القرب والصّلاة من أجل أوكرانيا أمام المعاناة الكبيرة.”