بدأ البابا تعليمه متوقفا عند عجل الذهب الذي يحدثنا عنه الكتاب المقدس في سفر الخروج (خر 32، 1-8)، وأضاف أن هذا الحدث يقع في إطار محدد ألا وهو البرية التي كان الشعب ينتظر فيها موسى الذي صعد إلى الجبل ليتلقى من الله الوصايا. ولكن ما هي البرية؟ تساءل الأب الأقدس، وتابع إنها مكان يسوده الافتقار، فلا ماء فيه ولا مأكل ولا ملجأ، البرية بالتالي هي صورة للحياة البشرية غير أكيدة الظروف والتي لا تتوفر فيها ضمانات، ما يولد لدى الإنسان شعورا بالقلق تحدث عنه يسوع “ماذا نَأكُل؟ أو ماذا نَشرَب؟ أو ماذا نَلبَس” (راجع متى 6، 31). ثم عاد الأب الأقدس إلى سفر الخروج مشيرا إلى أن شيئا ما قد أطلق عبادة الأوثان، وهو تأخُّر موسى في النزول من الجبل، وكان موسى بالنسبة للشعب المرجع، القائد والمرشد. وواصل الأب الأقدس أن الشعب يريد إلها مرئيا ليعثر على هويته ووجهته، وهذه هي المصيدة التي سقط فيها الشعب. وهكذا سألوا هارون: “قم فاصنع لنا آلهة تسير أمامنا” (راجع خر 32، 1). وواصل الحبر الأعظم أن الطبيعة البشرية تبحث عن دين مصطنع لمواجهة الافتقار وغياب الضمانات، أي أنه إذا لم يكن الإله مرئيا فلنصنع إلهنا الخاص. ثم ذكّر قداسته بكلمات صاحب المزامير عن الأوثان التي “لها أفواه ولا تتكلم” (راجع مز 115، 5)، وأضاف أن أمام الأوثان لا يوجد خطر أن نتلقى دعوة تُخرجنا من طمأنينتنا. الأوثان هي بالتالي ذريعة لوضع الذات كمحور للواقع، في التعبد لما صنعته أيادينا. (راجع الرسالة العامة “نور الإيمان” للبابا فرنسيس).
لم يعارض هارون مطلب الشعب، واصل البابا فرنسيس، فصنع العجل الذهبي، وأراد قداسته التوقف عند معنى هذا الاختيار. فالعجل كان رمزا للخصوبة والوفرة من جهة، وللطاقة والقوة من جهة أخرى، هذا إلى جانب كونه في المقام الأول من الذهب أي رمز الثراء والنجاح، السلطة والمال، وهذه هي الأوثان الكبيرة: النجاح والسلطة والمال. وهكذا يصبح العجل الذهبي رمزا لجميع الرغبات التي تمنح وهما بالحرية، بينما في الواقع تجعل الشخص عبدا، لأن هذا ما تفعل الأوثان.
وتابع البابا فرنسيس مشيرا إلى أن هذا هو نتاج عدم القدرة على الاتكال على الله وإيكال أماننا إليه كي يمنح هو العمق الحقيقي لرغبات قلوبنا، وهذا يمَكننا من تحمل الافتقار وغياب الضمانات. ثم أكد قداسته أنه بدون أولية الله يسهل السقوط في عبادة الأوثان والاكتفاء بضمانات هزيلة. وقال قداسته في هذا السياق إن هذه تجربة نجدها كثيرا في الكتاب المقدس، وأضاف مشيرا إلى ما وصفه بعملٍ لله أكبر من تحرير شعب الله من مصر، ألا وهو إزالة مصر من قلب شعب الله، أي إزالة عبادة الأوثان من قلب الشعب.
شدد الأب الأقدس بعد ذلك على أننا حين نقبل إله يسوع المسيح الذي افتقر لأجلنا وهو الغني (راجع 2 قور 8، 9)، فإننا ندرك أن الاعتراف بضعفنا هو شرط للانفتاح على مَن هو قوي بالفعل، فخلاص الله يدخل من باب الضعف (راجع 2 قور 12، 10)، وبضعفنا ننفتح على أبوّة الله. وفي ختام المقابلة العامة ذكر البابا فرنسيس أننا ننظر إلى المسيح على الصليب ضعيفا استهزئ به، ولكن فيه يُكشف وجه الله الحقيقي، مجد المحبة لا الوهم البراق. وذكّر قداسته بكلمات النبي أشعيا “بجرحه شفينا” (راجع اش 53، 5). وختم قداسته أن شفاءنا يأتي ممن افتقر، الذي ملأ ضعفنا بالمحبة والقوة، مَن جاء ليُظهر لنا أبوة الله. وأضاف أن في المسيح يصبح ضعفنا مكان لقاء الآب وينبوع قوة جديدة تأتينا من العلى.
إذاعة الفاتيكان