أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء،
بعد أن تأمّلنا حول قيمة العيد في حياة العائلة، نتوقّف اليوم عند العنصر المُكمِّل والذي هو العمل. إذ أنّهما يشكّلان معًا جزءًا من مخطّط الله للخلق: العيد والعمل.
العمل، يقال عادة، ضروريّ لإعالة العائلة وتربية الأبناء وتأمين حياة كريمة لأعزّائنا. وأجمل شيء يمكن أن يُقال عن الشخص المستقيم والصادق هو: “إنّه عامل”، إنّه شخص لا يعيش في الجماعة على حساب الآخرين. وفي الواقع إن العمل، بأشكاله المتعدّدة، بدءًا من العمل المنزليّ يعتني أيضًا بالخير العام. وأين يمكننا أن نتعلّم أسلوب حياة العمل هذا؟ في العائلة قبل كلّ شيء. فالعائلة تربّي على العمل من خلال مثال الوالدين: الأب والأمّ اللذان يعملان من أجل خير العائلة والمجتمع.
في الإنجيل، تظهر عائلة الناصرة المقدّسة كعائلة عمّال، ويُطلق على يسوع نفسه إسم “ابن النجّار” (متى ۱۳، ٥٥) أو حتى “النجّار” (مر ٦، ۳). والقدّيس بولس لا يتوانى عن تحذير المسيحيّين: “إذا كان أحدٌ لا يريدُ أن يعمَل فليس له أن يأكُل” (۲ تس ۳، ۱٠). – إنّها وصفة جيّدة لفقدان الوزن: إن لم تعمل فلن تأكل! – وبهذا القول يشير الرسول بوضوح إلى الروحانيّة الزائفة لبعض الذين يعيشون على حساب إخوتهم وأخواتهم “ولا شُغلَ لهُم” (۲ تس ۳، ۱۱). إنّ التزام العمل وحياة الروح، في المفهوم المسيحيّ، لا يتعارضان أبدًا فيما بينهما. ومن المهمّ جدًا أن نفهم هذا الأمر! إذ يمكن للصلاة والعمل، كما وينبغي عليهما، أن يقيمان معًا بتناغم، كما يعلّم القديس بندكتس. إنّ غياب العمل يُسيء أيضًا إلى الروح كما أنّ غياب الصلاة يسيء أيضًا للنشاط العمليّ.
إنّ العمل – وأُكرّر بألف شكل – هو من ميزات الشخص البشريّ. يعبّر عن كرامته بأنّه قد خُلِق على صورة الله. ولذلك يُقال إنّ العمل مقدّس. وبالتالي فإنّ إرادة التوظيف هي مسؤوليّة كبيرة بشريّة واجتماعيّة ولا يمكن أن تُترك بين أيدي قليلين أو أن تُلقى على عاتق “سوق” مؤلّهة. والتسبّب بفقدان أماكن العمل يعني التسبّب بأذى اجتماعي خطير. فأنا أحزن عندما أرى أشخاصًا بلا عمل، لا يجدون عملاً ولا يملكون حتى كرامة حمل الخبز إلى البيت، لكنّني أفرح كثيرًا عندما أرى حكّامًا يقومون بجهود كثيرة لإيجاد أماكن عمل ويكون هناك عمل للجميع. إنّ العمل مقدّس وهو يعطي كرامة للعائلة، وبالتالي ينبغي علينا أن نصلّي لكي لا ينقص العمل أبدًا في العائلة.
لذا فالعمل كالعيد أيضًا هو جزء من مخطّط الله الخالق. في سفر التكوين، وقبل موضوع الأرض كبيت وبستان أوكل إلى عناية الإنسان وعمله نجد مقطعًا مؤثرًا جدًّا: “يوم صنع الربُّ الإله الأرض والسموات، لم يكن في الأرض شيح الحقول، ولم يكن عشب الحقول قد نبت، لأنّ الربّ الإله لم يكن قد أمطر على الأرض، ولم يكن فيها إنسان ليحرث الأرض. وكان يصعد منها سيلٌ فيسقي كلَّ وجهها” (۲، ٤ – ٦). ليس الأمر ضربًا من الرومانسيّة بل هو وحي من الله؛ ونحن لدينا المسؤولية بأن نفهمه وندركه في العمق. إنّ الرسالة العامة كُن مُسبَّحًا، والتي تقدِّم إيكولوجيا شاملة، تحتوي أيضًا على هذه الرسالة: إنّ جمال الأرض وكرامة العمل قد صنعا ليكونا متّحدَين، فهما يسيران معًا لأنّ الأرض تُصبح جميلة عندما يعمل فيها الإنسان.
عندما يبتعد العمل عن عهد الله مع الرجل والمرأة، وعندما ينفصل عن ميزاتهما الروحيّة، وعندما يكون رهينة لمنطق الربح فقط ويزدري بعواطف الحياة، يلوّث عندها فقدان العزيمة كلّ شيء: حتى الهواء والماء والعشب والغذاء… تفسد الحياة المدنيّة وتتخرّب البيئة. وتضرب التبعات بشكل خاص الأشدّ فقرًا والعائلات الفقيرة. يُظهر التنظيم المعاصر للعمل أحيانًا نزعة خطيرة تعتبر العائلة عائقًا وثقلاً وخمولاً في إنتاجيّة العمل. ولكن لنسأل أنفسنا: أيّ إنتاجيّة؟ ولمن هي؟ إنّ ما تعرف “بالمدينة الذكيّة” هي بلا شكٍّ غنيّة بالخدمات والتنظيم؛ ولكنّها، على سبيل المثال، غالبًا ما تكون معادية للأطفال والمسنّين.
وأحيانًا يهتم من يُخطِّط بإدارة القوّة العاملة الفرديّة فينظّم ويستعمل ويُقصي وِفقًا للحاجة الاقتصادية. العائلة هي مكان كبير للامتحان وعندما يأخذها تنظيم العمل رهينة له أو عندما يعيق مسيرتها، نتأكّد عندها أن المجتمع البشري بدأ يعمل ضدّ نفسه.
تنال العائلات المسيحيّة من هذه الوحدة تحدّيًا ورسالةً كبيرين. فهي تُترجم أُسس خلق الله: الهويّة والعلاقة بين الرجل والمرأة، إنجاب البنين والعمل الذي يجعل الأرض قابلة للاستثمار والعالم قابل للسكن. إنّ فقدان هذه الأُسس هو أمر خطير جدًّا ونجد في البيت المشترك الكثير من التصدّعات! المهمّة ليست سهلة، وقد يبدو أحيانًا للجمعيّات المعنيّة بالعائلات بأنّها كداود أمام جليات… ولكنّنا نعرف كيف انتهى ذاك التحدّي! نحن بحاجة للإيمان والذكاء. ليمنحنا الله أن نقبل دعوته بفرح ورجاء في هذه المرحلة الصعبة من تاريخنا، الدعوة للعمل لإعطاء كرامة لأنفسنا ولعائلاتنا.
* * *
Speaker:
أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، بعد أن تأمّلنا حول قيمة العيد في حياة العائلة، نتوقف اليوم عند العنصر المُكمِّل والذي هو العمل. إذ أنهما يشكلان معًا جزءًا من مخطّط الله للخلق. العمل، يقال عادة، ضروري لإعالة العائلة وتربية الأبناء وتأمين حياة كريمة لأعزائنا. في الإنجيل، تظهر عائلة الناصرة المقدّسة كعائلة عمّال، ويُطلق على يسوع نفسه اسم “ابن النجار” أو حتى “النجار”. والقديس بولس لا يتوانى عن تحذير المسيحيين: “إذا كان أحدٌ لا يريدُ أن يعمَل فليس له أن يأكُل”. إن التزام العمل وحياة الروح، في المفهوم المسيحي، لا يتعارضان أبدًا فيما بينهما، بل يمكن للصلاة والعمل كما وينبغي عليهما أن يقيمان معًا بتناغم، كما يعلّم القديس بندكتس. إن العمل هو من ميزات الشخص البشري. يعبّر عن كرامته بأنه قد خلق على صورة الله. ولذلك يُقال إن العمل مقدّس. وبالتالي فالعمل كالعيد أيضًا هو جزء من مخطط الله الخالق ونحن لدينا المسؤولية بأن نفهمه وندركه في العمق فجمال الأرض وكرامة العمل قد صنعتا لتكونا متحدتين. ومن هذه الوحدة تنال العائلات المسيحية تحدّيًا ورسالة كبيرين. ليمنحنا الله أن نقبل دعوته بفرح ورجاء في هذه المرحلة الصعبة من تاريخنا.
* * *
Santo Padre: Rivolgo un cordiale benvenuto ai pellegrini di lingua araba, in particolare a quelli provenienti dal Medio Oriente! Cari fratelli e sorelle, il lavoro umano è parte della creazione e continua l’opera creatrice di Dio. Impegniamoci ad accrescere le opportunità di lavoro, affermando la convinzione che solo nel lavoro libero, creativo, partecipativo e solidale, l’essere umano esprime e accresce la dignità della propria vita. Il Signore vi benedica.
* * *
Speaker:
أُرحّبُ بالحجّاجِ الناطقينَ باللغةِ العربية، وخاصةً بالقادمينَ من الشرق الأوسط. أيّها الإخوةُ والأخواتُ الأعزّاء، إنَّ العمل البشريّ هو جزء من الخلق ويتابع عمل الله المُبدع. لنلتزم من أجل تعزيز فُرص العمل مُشدّدين على القناعة بأنه فقط ومن خلال العمل الحُرِّ والمبدع والمُتشارَك والتضامُنيّ يمكن للإنسان أن يُعبِّر عن كرامةِ حياته وينمّيها. ليبارككم الربّ.
***************
© جميع الحقوق محفوظة 2015 – حاضرة الفاتيكان