كانت عقارب الساعة تشير إلى الثانية عشرة ظهرا عندما أطل قداسة البابا فرنسيس من على شرفة مكتبه الخاص في القصر الرسولي بالفاتيكان ليتلو مع وفود الحجاج والمؤمنين المحتشدين في ساحة القديس بطرس بالفاتيكان صلاة التبشير الملائكي؛ وتوقف البابا في كلمته عند إنجيل هذا الأحد وقال يقدِّم لنا الإنجيل حدثًا حصل في أريحا عندما وصل يسوع إلى المدينة واستقبله جمع كبير. في أريحا كان يقيم زكا وهو رئيسٌ للعَشَّارينَ أي جباة الضرائب. لقد كان زكا معاونًا غنيًّا للرومان وشخصًا يستغلُّ شعبه. هو أيضًا دفعته حشريّته ليرى يسوع لكن حالته كخاطئ علني لم تكن تسمح له بالاقتراب من المعلِّم، أضف إلى ذلك أنه كان قصير القامة ولذلك صَعِدَ جُمَّيزَةً على الطريق التي كان يسوع مزمعًا أن يعبرها.
تابع الأب الأقدس يقول فلَمَّا وصَلَ يسوعُ إلى ذلكَ المَكان، رَفَعَ طَرْفَه وقالَ له: “يا زَكَّا انزِلْ على عَجَل، فيَجِبُ عَلَيَّ أَن أُقيمَ اليَومَ في بَيتِكَ”. يمكننا أن نتصور دهشة زكا؟ لماذا يقول يسوع: “يَجِبُ عَلَيَّ أَن أُقيمَ اليَومَ في بَيتِكَ”؟ ما هو هذا الواجب؟ نعرف أن واجبه الأسمى هو تحقيق مخطط الآب للبشريّة بأسرها، والذي يتحقق في أورشليم مع عقوبة الموت والصلب والقيامة في اليوم الثالث. إنه مخطط خلاص رحمة الآب. وفي هذا المخطط يندرج خلاص زكا رجل محتال ويزدريه الجميع ولذلك هو يحتاج للارتداد. في الواقع يخبرنا الإنجيل، بعد أن دعاه يسوع، “قالوا كُلُّهم متذَمِّرين: “دَخَلَ مَنزِلَ رَجُلٍ خاطِئٍ لِيَبيتَ عِندَه!”. لقد كان الشعب يرى فيه سافلاً اغتنى على حساب قريبه.
أضاف الحبر الأعظم يقول أما يسوع وإذ كانت تقوده الرحمة بحث عنه بالذات. وعندما دخل بيت زكا قال: “اليَومَ حصَلَ الخَلاصُ لِهذا البَيت، فهوَ أَيضًا ابنُ إِبراهيم. لأَنَّ ابْنَ الإِنسانِ جاءَ لِيَبحَثَ عن الهالِكِ فيُخَلِّصَه”. إن نظرة يسوع تذهب أبعد من الخطايا والأحكام المسبقة. وهذا أمر مهمّ ينبغي علينا أن نتعلّمه… نظرة يسوع تذهب أبعد من الخطايا والأحكام المسبقة؛ فهو يرى الشخص بعيني الله الذي لا يتوقف عند الشر الماضي بل يرى الخير المقبل؛ فيسوع لا يستسلم للإنغلاقات ولكنّه يفتح على الدوام فسحات حياة جديدة؛ لا ينغلق على المظاهر وإنما ينظر إلى القلب. وهنا نظر إلى قلب هذا الرجل الجريح: تجرحه خطيئة الجشع والعديد من الأمور السيئة التي قام بها. لكن يسوع ينظر إلى ذلك القلب الجريح ويذهب إليه.
أحيانًا تابع البابا فرنسيس يقول نسعى إلى إصلاح خاطئ ما أو إلى جعله يرتدّ من خلال توبيخه وتعييره بأخطائه وتصرفاته الظالمة. لكن تصرّف يسوع مع زكا يشير إلى درب أخرى: تلك التي تظهر للذي يخطئ قيمته التي يستمرّ الله في رؤيتها بالرغم من كلِّ شيء وبالرغم من جميع أخطائه. يمكن لهذا الأمر أن يشكّل مفاجأة إيجابيّة، تلطِّف القلب وتدفع الشخص ليستخرج الخير الذي فيه. فإعطاء الثقة للأشخاص يجعلهم ينمون ويتغيّرون. هكذا يتصرّف الله معنا: لا يتوقّف عند خطيئتنا بل يتخطاها بمحبّة ويجعلنا نشعر بالحنين لصنع الخير. جميعنا نشعر بهذا الحنين بعد ارتكابنا خطأ ما. هكذا يتصرف الله أبانا وكذلك يسوع أيضًا. كل إنسان يملك شيئًا صالحًا في ذاته وهذا ما ينظر إليه الله لينتشله من الشرّ.
وختم الأب الأقدس كلمته بالقول لتساعدنا العذراء مريم لنرى الصلاح في الأشخاص الذين نلتقي بهم يوميًّا، فيتشجّعوا هكذا ليُظهروا صورة الله المطبوعة في قلوبهم؛ فنتمكّن هكذا من أن نفرح معًا بمفاجآت رحمة الله!
وبعد الصلاة حيا البابا فرنسيس المؤمنين المحتشدين في ساحة القديس بطرس وقال تمّ أمس في مدريد إعلان تطويب خوزيه أنطون غوميز وأنطولين بابلوس فيلانويفا وخوان رافاييل ماريانو ألكوثر مارتينيز ولويس فيداورازاغا غونزاليز، شهداء قتلوا في اسبانيا في القرن الماضي خلال الاضطهاد التي تعرّضت له الكنيسة. لقد كانوا كهنة من رهبنة البينيديكتان. لنمجّد الرب ولنكل إلى شفاعتهم الإخوة والأخوات الذين وللأسف في مختلف أنحاء العالم لا يزالون اليوم أيضًا يتعرضون للاضطهاد بسبب إيمانهم بالمسيح.
وأضاف الأب الأقدس يقول أعبر عن قربي من سكان منطقة إيطاليا الوسطى التي ضربها الزلزال. أصلّي من أجل الجرحى والعائلات التي تعرّضت لأذى كبير، كما أصلّي من أجل الأشخاص الملتزمين بالإغاثة والمساعدة. ليمنحهم الرب القائم من الموت القوّة ولتحفظهم العذراء مريم.
إذاعة الفاتيكان
الرئيسية | أخبار الكنيسة | البابا: لتساعدنا العذراء لنرى الصلاح في الأشخاص فيُظهروا هكذا صورة الله المطبوعة في قلوبهم
الوسوم :البابا: لتساعدنا العذراء لنرى الصلاح في الأشخاص فيُظهروا هكذا صورة الله المطبوعة في قلوبهم