في ختام لقائه مع الكهنة والرهبان والراهبات والطلاب الإكليريكيين في كنيسة الجسمانية عند أقدام جبل الزيتون توجه البابا فرنسيس عصر الاثنين إلى علية صهيون في القدس حيث ترأس الاحتفال بالقداس الإلهي مع رؤساء الكنائس الكاثوليكية في الأرض المقدسة. وتخللت الذبيحة الإلهية عظة للحبر الأعظم قال فيها:
إنها لعطيّة كبيرة يمنحنا الله إياها، بأن نجتمع هنا، في العليّة لنحتفل بالافخارستيا. فيما أحييكم بفرح أخوي، أود أن أوجه تحية حارة وقلبية إلى بطاركة الشرق الكاثوليك الذين شاركوا في حجي هذه الأيام. أود أن أشكرهم على حضورهم الهام والثمين بالنسبة لي مؤكدا لهم أنهم يحتلون مكانة هامة في قلبي وصلاتي.
هنا حيث أكل يسوع العشاء الأخير مع الرسل، وحيث بعد أن قام من الموت ظهر في وسطهم، وحيث حل الروح القدس بقوة على مريم والرسل. هنا ولدت الكنيسة وولدت للخروج. من هنا انطلقت، حاملة بيديها الخبز المكسور، وفي عينيها جراح يسوع وفي قلبها روح الحب.
إن يسوع القائم من الموت والمرسل من الآب منح في العلية روحه للرسل وبهذه القوة أرسلهم ليجددوا وجه الأرض (را. مز 104، 30).
الخروج والانطلاق لا يعنيان النسيان. فالكنيسة بخروجها تحافظ على ذكرى ما حصل هنا؛ والروح البارقليط يذكرها بكل كلمة وفعْل ويكشف لها معناهما.
تذكرنا العلية بالخدمة، بغسل الأرجل الذي قام به يسوع كمثَلٍ لتلاميذه. أن نغسل أرجل بعضنا البعض يعني الاستقبال وقبول الآخر والمحبة والخدمة المتبادلة. يعني خدمة الفقير والمريض والمهمّش ومن هو “ثقيل” ومن يزعجني.
تذكرنا العليّة مع الإفخارستيا بالذبيحة. لأنه في كل احتفال إفخارستيّ يقدم يسوع ذاته للآب من أجلنا كي نتمكن نحن أيضًا من الاتحاد به ونقدم لله حياتنا وعملنا، أفراحنا وآلامنا… فنقدم كل شيء بذبيحة روحية!
تذكرنا العليّة بالصداقة. “لا أدعوكم خدمًا بعد الآن – قال يسوع للاثني عشر – … فقد دعوتكم أحبّائي” (يو 15، 15). الرب يجعلنا أحبّاءه، يودعنا مشيئة الآب ويعطينا ذاته. هذه هي أجمل خبرة يعيشها المسيحي، والكاهن بشكل خاص: أن يصبح صديقًا للرب يسوع. أن نكتشف في قلبه أنه صديق!
تذكرنا العليّة بوداع المعلّم وبالوعد بأن يلتقي مع أصدقائه: “وإذا ذهبت،… أرجع فآخذكم إليّ، لتكونوا أنتم أيضًا حيث أنا أكون” (يو 14، 3). فيسوع لا يتركنا، ولا يُهملنا أبدًا، يسبقنا إلى بيت الآب حيث يريد أن يأخذنا معه.
لكن العلية تذكّرنا أيضًا بالوضاعة والفضول – “من هو الذي يخون؟” – والخيانة. ويمكن أن يكون كل فرد منا، لا الآخرون وحدهم دائمًا، الذين يعيشون مجددًا هذه التصرفات، عندما ننظر بغرور إلى الأخ ونحكم عليه؛ وعندما نخون يسوع بخطايانا.
تذكرنا العليّة بالمقاسمة والأخوة والتناغم، بالسلام فيما بيننا. كم من الحب وكم من الحب والخير انبثقا من العليّة! كم من المحبة خرجت من هنا كنهر من النبع، يكون في البدء ساقية ليتّسع بعدها ويصبح كبيرًا… من هنا قد استقى جميع القديسين؛ فنهر القداسة الكبير في الكنيسة ينبع دائمًا من هنا، دائمًا ومجددًا من قلب المسيح، من الافخارستيا، من روحه القدوس.
أخيرًا تذكرنا العليّة بولادة العائلة الجديدة، الكنيسة، أمنا الكنيسة المقدسة، المؤسسة من يسوع القائم من الموت. عائلة لديها أم وهي العذراء مريم. إن العائلات المسيحية تنتمي لهذه العائلة الكبيرة، وتجد فيها النور والقوة للسير والتجدد، من خلال أتعاب الحياة وتجاربها. وإلى هذه العائلة الكبيرة دُعي جميع أبناء الله من كل شعب ولغة، وهم جميعهم إخوة وأبناء الآب الواحد الذي في السماوات.
هذا هو أفق العليّة: أفق القائم من الموت والكنيسة.
من هنا تنطلق الكنيسة للخروج، تحركها نسمة الروح المحيية. ومجتمعة بالصلاة مع أم يسوع، هي تعيش دائمًا انتظار تدفّق متجدد للروح القدس: لينزل روحك يا رب ويجدد وجه الأرض (را. مز 104، 30)!
عن أبونا